كلنا يَعرف أنَّ دولةَ لبنان ما بَلغت مرحلةَ انهيارٍ شاملٍ كهذه التي بَلغَتها في ظلِّ هذا العهد، عهدِ حزب الله. وكُلّنا يَعرِفُ أنَّ دولةَ لبنان ما مرّةً ورَّطَت اللبنانيّين بقطيعةٍ ديبلوماسيّةٍ وسياسيّةٍ واقتصاديّةٍ مع دولِ الخليجِ كهذه التي ورَّطَهُم بها هذا العهد. واليوم زادَت معرِفتُنا ـــ فالثقافةُ نَبعٌ لا يَنضُب ـــ بأن دولةَ لبنان لم تَـنْزوِ في عُزلةٍ تامّةٍ كهذه التي انْتبَذَه فيها هذا العهد. الحقيقةُ ليست تجنيًّا، بل جرسُ إنذارٍ للالتحاقِ بالحقّ.
نَفهمُ أن تَطلُبَ دولةُ لبنان وَساطةَ أميركا مع دولةِ إسرائيل، العدوّ، لترسيمِ الحدودِ وتحديدِ حِصّةِ لبنان في المربَّعاتِ النفطيّة. لكنّه مُستهجَنٌ أنْ تَستجْديَ دولةُ لبنان شَفاعةً فرنسيّةً وأميركيّةً وقطريّةً وعُمانيّةً في أزْمتِها مع السعوديّةِ ودولِ الخليجِ العربيِّ، الشقيقةِ والصديقة، وهي مَن كانت تَتوسّطُ لنا مع الآخَرين لحلِّ أزَماتِ لبنان ووقْفِ حروبِه ومساعدتِه ماليًّا واقتصاديًّا. وغريبٌ بالمقابل، أنَّ الدولتين الوحيدتَين اللتَين لا يحتاجُ لبنانُ إلى وسيطٍ معهما هما: سوريا وإيران، أي الدولتَين اللتَين بسببِ تحالفِ الحكمِ اللبنانيِّ الحاليِّ معهما استراتيجيًّا، خَسِرنا أصدقاءَنا التاريخيّين ووُضِعنا في سجنٍ انْفراديّ.
العُزلةُ اللبنانيّةُ مزدوِجة: عُزلةُ دولةِ لبنان عن شعوبِ العالم، وعُزلةُ شعبِ لبنان عن دولته. وأصلًا إنَّ مُشكلةَ العالمِ مع لبنان هي ذاتُها مُشكلةِ اللبنانيّين مع حزب الله. وقبلَ أن تَسحَبَ دولُ الخليجِ الأربعُ سفراءَها من لبنان، سبَقَها الشعبُ اللبنانيُّ وسَحَبَ ثقتَه من دولتِه وأجْلى أجيالَه عنها وقَطعَ عَلاقاتِه معها. وكانت انتفاضةُ 17 تشرين الأوّل 2019 إحدى مظاهرِ هذه القطيعة.