سجعان قزي
@AzziSejean
بموازاةِ البحثِ عن نظامٍ عالميٍّ جديدٍ، يَجري التفتيشُ أيضًا عن نظامٍ إقليميٍّ جديدٍ في الشرقِ الأوسطِ الكبير، ويَحصُلُ كذلك التنقيبُ عن نظامٍ لبنانيٍّ جديد. لكنَّ مُجرَّدَ النظرِ إلى البُنى الأولى لهذه الأنظمةِ الثلاثة، يَكشفُ هشاشَتها وصعوبةَ إنشائِها رغمَ جميعِ الحروبِ والتحوّلات التي سبَقَتها. السببُ العميقُ أنَّها ليست قائمةً على استراتيجياتٍ ثابتةٍ ولا على الثوابتِ التاريخيّةِ القديمةِ والحديثة. واللافتُ حتى الآن أنَّ الدولَ الكبرى تَسعى إلى إقامةِ هذه الأنظمةِ من دون عقدِ مؤتمراتٍ دُوليّةٍ خاصّةٍ بها خلافًا لما جرى عشيّةَ وضعِ أنظمةٍ عالميّةٍ وإقليميةٍ بعدَ الحروبِ والأزَماتِ الكبرى. إن دلَّ هذا الأمرُ على شيءٍ، فعلى أن الدولَ الكبرى ليست بعدُ متفاهمةً على مُجملِ هذه الأنظمةِ وتَنتظرُ تطوّراتٍ أمنيّةً وعسكريّةً تُساعدها على خِيار هذه الأنظمةِ الجديدة أو فِقدانِ التوازنِ العالميِّ والإقليميّ.
تَصعُب إقامةُ نظامٍ عالميٍّ جديدٍ من دون روسيا وضد الصين ومرتَكزٍ على “أَحَديّةٍ” أميركيّةٍ، خصوصًا أنَّ أميركا، رغمَ تَفوُّقِها العسكريِّ، تَجتاز أزْمةً وجوديّةً وتَحوُّلًا اجتماعيًّا مؤلـِمًا.
ويَتعذّرُ إنشاءُ نظامٍ إقليميٍّ جديدٍ مَبنيٍّ على إيران لأنَّ هذه الدولةَ الفارسيّةَ ليست جغرافيًّا وحضاريًّا ولغويًّا جُزءًا عُضْويًّا من العالمِ العربيِّ، وقلّما لَعِبت دورًا أساسيًّا في مِنطقةِ البحرِ الأبيضِ المتوسِّط، لاسيّما أنها تعاني اليوم من اضطراباتٍ أمنيّةٍ لا نَعرفُ حدودَها، كما أنَّ بسطَ النفوّذِ الإيرانيِّ يُثير تركيا وإسرائيل علاوةً على المملكةِ العربيّةِ السعوديّة.
ويُستَعْصى بناءُ نظامٍ لبنانيٍّ جديدٍ بمنأى عن الدورِ المسيحيِّ الطليعيِّ فيه. فمَهْما دارت الأمورُ سيَظلُّ الدورُ المسيحيُّ أساسيًّا في دولةِ لبنان أكانت مُوحَّدةً أم اتّخذَت شكلًا آخَر. إن محاولةَ عزلِ المسيحيّين أو سيطرةِ مكوِّنات أُخرى على قرارِهم ومناصبِهم وصلاحيّاتِهم لن تَمرَّ مرورَ الكرام. ومتابعةُ عمليّةِ تعطيلِ الانتخاباتِ الرئاسيّةِ يدفعُ إلى الاعتقادِ بأنَّ استحقاقَ انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجُمهوريّةِ أصبحَ لدى البعضِ تفصيلًا في ظلِّ بحثِ مكوّناتٍ لبنانيّةٍ عن نظامٍ آخَر وعن رئاسةٍ مختلِفةٍ. واستنادًا إلى مَرجِعٍ أوروبيٍّ مُطَّلعٍ، أكّد الرئيسان الأميركيُّ بايدن والفرنسيُّ ماكرون إثْرَ اجتماعِهما أوّلَ هذا الشهر للبابا فرنسيس أنَّ الوجودَ المسيحيَّ في لبنان غيرُ قابلِ المساومةَ رغم التسوياتِ الجارية في المنطقة.