نجم الهاشم
استكمال لرواية تجمّعت من مصادر رافقته خلال تلك المرحلة.
مع بدء معركة نهر البارد، مَن تمنّى على قائد الجيش العماد ميشال سليمان «التصرّف بحكمة»؟
تقول الأوساط القريبة من عهد الرئيس ميشال سليمان إنّ الرئيس السوري بشّار الأسد تمنى ذلك. بدأت أحداث البارد في 20 أيار 2007. كان قائد الجيش ميشال سليمان يستضيف رئيس أركان جيش دولة عربية (مصر أو قطر) وكان متفقاً معه على زيارة مغارة جعيتا ودعوته إلى الغداء بعدها. عند الفجر حصل الإعتداء على العسكريين عند مداخل مخيم نهر البارد. اعتذر سليمان من ضيفه وانصرف إلى متابعة موضوع البارد وبدء التحضير للمعركة. في هذا الوقت كان تمّ انتخاب بشّار الأسد لولاية ثانية لرئاسة الجمهورية السورية. كانت هناك صداقة تجمع بين الرجلين قبل أن يصير الأسد رئيساً للجمهورية. اتصل به سليمان لتهنئته. سأله الأسد: «شو صاير عندكم؟». قال له سليمان إنّ اعتداء حصل على الجيش من مسلّحين في مخيم نهر البارد وإنّ الجيش يتحضّر للمعركة ضدّهم والقضاء عليهم. قال له الأسد «إن الكلّ متّكلون على حكمتك».
وكان من جملة نصائح تلقّاها بهذا المعنى من آخرين قد يُفهَم منها صرف النظر عن المعركة. أجاب سليمان: «الآن حكمتي غير متوفِّرة. أنا لست سليمان الحكيم كما هو معلوم. أنا قائد الجيش وعليَّ أن استردّ معنويات العسكر». سأل الأسد عن تفاصيل الإعتداء. فصّل له سليمان كيف ذبحوا العسكريين وتحدّث معه عن تأثير هذا الأمر على معنويات الجيش خصوصاً في منطقة الشمال وأنّ عدم الردّ على العملية يؤدّي إلى فرط الجيش وقال: «بدّي استعيد كرامة الجيش وانتقم من هؤلاء الإرهابيين». قال له عندها الأسد: «كانت معلوماتي غير واضحة جيّداً حول الحادثة ونحن معك. وأنت تعرف علاقتنا مع هذه الجماعات الإرهابية منذ أحداث حماه». (أي الحملة التي شنها الجيش السوري ضد الجماعات الإصولية في المدينة عام 1982). وسأله: «ماذ تطلب؟». قال له سليمان: «أريد أن يتمّ تجميد حركة الفصائل الفلسطينية التابعة لكم. ما يعملوا شي ضدّ الجيش ويلتزموا بتعليمات الجيش. ما بدّي ياهم يقاتلوا ضدّ فتح الإسلام، بسّ ما بدّي يكونوا معهم. يوجد 13 مخيماً للفلسطينيين في لبنان إذا حركشوا فيها وحرّكوها بينشلّ البلد».
وكانت لدى الجيش معلومات تتحدّث عن احتمال أن يتحرّكوا. قال له الأسد: «إذا قاموا بشيء أوقفهم». وسأله: «غير هذا الأمر ماذا تطلب؟». قال سليمان: «لدينا ذخائر يتمّ تأهيلها في المعامل السورية. ذخيرة الدبابات والمدافع التي تحتاج إلى تجديد كل فترة حتى تبقى صالحة للإستعمال ولا تتلف هل يمكن التسريع بتسليمها؟». كانت قيادة الجيش ترسل كميات منها ليتمّ تجديدها كل فترة. كان الأسد متجاوباً في هذا الموضوع. صارت قيادة الجيش ترسل كمية ذخائر للتجديد وتأخذ مقابلها ذخائر مماثلة مجدّدة من دون انتظار الوقت اللازم لذلك. عندما طوّر المهندسون في الجيش القنابل التي تُعلَّق في طائرات الهليكوبتر احتاجت القيادة إلى كاز للطيران طلبت ذلك من دمشق فتمّ تزويدها بكمية مقابل دفع ثمنها.
حكومة السنيورة أمّنت الغطاء
بعد بدء المعركة انتشرت المعلومات عن جماعة «فتح الإسلام» وكيف انطلقت وأين كانت في لبنان وأنّ قائدها شاكر العبسي كان في السجون السورية ثمّ تمّ إطلاق سراحه وأنّه كان يتحرّك لإرسال مقاتلين إلى العراق لمقاتلة القوات الأميركية بتسهيل من النظام السوري الذي ترك لهم ممرًاً آمناً، وأنّه بدأ مع «فتح الإنتفاضة» ثم انقلب عليها وجاء إلى مخيم برج البراجنة فتمّ طرده منه وانتقل إلى مخيم نهر البارد حيث أسّس هذه القوة المسلحة الأصولية المتشدّدة. لم تكن هناك معلومات عن أن النظام السوري يقف وراء هذا التنظيم. كان هناك رأي يقول إنّه ربّما كانت سوريا تريد أن تُظهِر للعالم بعد خروج جيشها من لبنان أنّ الوضع الأمني لا يمكن أن يستقيم من دونها، ولكن غير ذلك لم تكن هناك أيّ معلومات تؤكّد الربط بينهما.
الإدارة الأميركية دعمت الجيش بقوة في هذه المعركة. أرسلوا أسلحة جديدة وذخائر وصواريخ ولكن حصل ذلك قبل أن تشرف المعركة على الإنتهاء بوقت قليل. كان الجيش اللبناني، بفضل خبراء الطيران فيه، نجح في تطوير قذائف طائرات «الهنتر» لتعليقها على طائرات الهليكوبتر وقذفها منها بواسطة جهاز ضغط ومن خلال استخدام أجهزة تصويب تم شراؤها من الأسواق.
في هذه المعركة أمّنت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الغطاء الكامل للجيش وكان للرئيس السنيورة مروحة اتصالات واسعة لتأمين هذا الغطاء الذي كان تأمّن أيضاً من المرجعيات السنية. حتى عندما حصل جدال حول إكمال الهجوم على المخيم القديم بعد محاصرته بالكامل جرت محاولات لثني الجيش عن ذلك ولكن كان الرئيس السنيورة مع قرار الجيش إكمال المعركة حتى النهاية وأبلغ القيادة: «ما فينا نوقِّف هون. إذا استسلموا منوقِّف. وأتمنّى عدم تدمير المخيم بالكامل».
المعركة مكلفة وطويلة
من البداية كانت توقّعات القيادة أنّ المعركة ستطول وستكون مكلفة. عندما جمع قائد الجيش العماد ميشال سليمان المجلس العسكري والأركان أبلغهم أن المعركة طويلة. سألوه: «هل الجيش قادر على أن يحمِلَها؟ رح يروح شهدا كتير». قال لهم سليمان: «ليس لدينا خيار آخر». كان تقدير القيادة أنّ المعركة قد تدوم ستة أشهر. لا يمكن تدمير المخيم بشكل كامل قبل الدخول إليه وهذا الدخول يتطلّب دفع ثمن من أجل عدم إثارة حقد كبير وحالة تضامن مع المسلحين. أَخْذُ الجيش بالإعتبار مسألة تلافي حصول مجزرة أدّى إلى استشهاد عدد أكبر من العسكريين وقد عُرِضَت على الجيش خطط من هذا النوع ولكنّه رفضها. كان قرار القيادة بأنّ تطهير المخيم يجب أن يحصل بالقوى العسكرية اللبنانية وبالأسلحة اللبنانية. من يريد الدعم فليدعم بالسلاح والذخيرة والموقف والجيش وحده يقاتل ووحده يتحكّم بأجهزة الترصّد في محيط المخيم التي لا يمكن وضعها تحت إشراف أي خبراء أجانب. كان المطلوب عدم خلق فتنة داخلية وعدم تحويل المعركة من معركة ضد إرهابيين إلى اتهام الجيش بأنّه يقوم بمعركة ومجازر ضدّ الفلسطينيين ويتمّ تشبيهه بالإسرائيليين. ولذلك كان المطلوب الكثير من الصبر وعدم استعمال العنف المفرط.
فرار العبسي
كيف انتهت المعركة؟ وكيف فرّ شاكر العبسي؟
دائماً بحسب الأوساط التي رافقت عهد الرئيس سليمان، في الحرب يكون الهدف من الهجوم تحرير الأرض وطرد العدو أو قتله أو أسره. الجيش استطاع تحرير الأرض والعدو كان أمام خيار أن يستسلِم أو أن يُقتَل أو أن يَهرب. قسم من مسلحي «فتح الإسلام» حاولوا الفرار ونجحوا من خلال محور الفصل بين انتشار فوجين عسكريين. كان هناك دفرسوار. وهذا الأمر يمكن أن يحصل في كل المعارك. استغلّوا نقطة الضعف هذه وتسلّلوا تحت الردم الذي تسبّب به القصف وصار مثل الخنادق. استعملوا فرشات اسفنج لعدم إحداث ضجة، وقسموا أنفسهم خمسة خمسة وتمكّنت مجموعتان أو ثلاث منهم من الخروج من المخيم وكان شاكر العبسي من بينهم في المجموعة الأولى. قيل بعد ذلك أنّ خروجه كان بتسهيل من الجيش من أجل الإنتهاء من المعركة بشكل أسرع ولتجنّب سقوط المزيد من الشهداء. ولكن على الأرض لم يكن من الممكن إقناع أي ضابط أو قائد لواء بمثل هذا الأمر نتيجة قساوة المعركة على الجيش. وليس من الممكن أن يكون هناك عمل مخابراتي. عاد شاكر العبسي وقُتِل في سوريا على حاجز للمخابرات السورية كما تردّد. عندما صار قائد الجيش ميشال سلمان رئيساً للجمهورية وحصل اتصال بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد طلب منه تسليم شاكر العبسي قال له الأسد إنّه قتل. سأله سليمان إذا كان يستطيع إعلان خبر مقتله. قال له الأسد: «أكيد».
تعتبر مراجع أمنية أنه حتى إذا كان صحيحاً أنّ السوريين فبركوا العبسي وأرسلوه إلى لبنان ما كان يهمّهم أن يخرج حيًّا وكان من مصلحتهم أن يُقتَل. عندما يُقتَل قائد العصابة أو التنظيم الارهابي في المعركة تصمد عناصره أكثر وتستمرّ لاحقًا في الانتماء، بينما اذا هرب تفرط المجموعة ولا تعود إلى ولائها للتنظيم. هروب شاكر العبسي خفّف من الضحايا. عندما كشف الجيش محاولة الهروب وقتل عدداً من الذين كانوا يحاولون الخروج من المخيم فرطت المجموعات التي كانت لا تزال في المخيم. وانتهى عملياً تنظيم «فتح الإسلام». لم يعد أحد يسمع به بعد حسم معركة نهر البارد.
من البارد إلى الشيّاح
الحوادث التي حصلت في محيط كنيسة مار مخايل في الشياح الأحد 28 كانون الثاني 2008 بعد الشغور الرئاسي وانتهاء عهد الرئيس إميل لحود وسقوط ثمانية قتلى من المحتجّين على انقطاع الكهرباء في مواجهات مع الجيش اللبناني، هل كانت لتنفيس انتصار نهر البارد وللتأثير على قائد الجيش ميشال سليمان ومنع طرح اسمه لرئاسة الجمهورية؟
تقول الأوساط التي رافقت عهد الرئيس سليمان إنّه كان هناك خطر من تلك التظاهرات على الأمن بين الشيّاح وعين الرمانة. الجيش تدخّل يومها للحؤول دون تورّط أهالي عين الرمانة بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في حال تطوّرت التظاهرات وحاول المتظاهرون الدخول إلى عين الرمانة. الجيش تدخّل وأطلق النار وسقط قتلى ولكنّ تدخّله منع حصول مواجهة بين الشياح وعين الرمانة وحمى المنطقتين. لو لم يتدخّل كانت فتحت معركة طائفية.
كان فخاً للعماد ميشال سليمان؟
طبعاً ولكنّه كان فخّاً أكبر منه. كان الفخّ أن يقال إنّ «المسيحيين في عين الرمانة قوّصوا على الشيعة». حصلت محاكمة للعسكريين لتطويق ذيول الحادث. هذا صحيح. وهذه واجبات الجيش. يتدخّل وإذا حصل خطأ يحاسِب من أخطأ.
هل كان العسكريون مخطئين أم أن محاكمتهم كانت لإيجاد مخرج لما حصل؟
ما كانوا مخطئين بمعنى الخطأ والنيّة الجرمية. حصل هرج ومرج، خاف العسكر من أن يدخل المتظاهرون إلى عين الرمانة وكانوا يشاهدونهم يحاولون ذلك، فأطلقوا النار.