Khazen

مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك

المؤتمر السنوي 15-19 تشرين الاول 2007 
  
 

الحضور المسيحي في الشرق والنزاعات السياسية 
 

النائب الدكتور فريد الخازن 
 

نتناول في هذه المداخلة موضوع الحضور المسيحي في الشرق والنزاعات السياسية, و تحديدا النزاعات السياسية المعسكرة و ليس فقط النزاعات السياسية داخل الدولة بين الحكم والمعارضة او النزاعات السياسية بين الدول و التي تدار سلميا, كالنزاعات, مثلا, حول الحدود بين عدد من الدول العربية. ثمة نزاعان مسلحان قائمان اليوم على طرف النظام الاقليمي العربي و لا يرتبطان مباشرة بموضوع البحث: النزاع في دارفور في السودان الذي ادى الى خسائر كبيرة و الى تهجير مئات الآلاف من الناس و تشريدهم, والنزاع حول الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر. النزاعات التي تعنينا مباشرة و تؤثر في حضور المسيحيين و دورهم هي نزاعات دول المشرق العربي و تداعياتها التي تصل الى مصر حيث العدد الاكبر من مسيحيي الشرق. النزاعات او الانقسامات السياسية في دول عربية اخرى كدول الخليج لا تؤثر مباشرة على الوضع المسيحي بالشكل والمضمون كما يؤثر النزاع العربي-الاسرائيلي و حرب العراق, و كما اثرت حروب لبنان المتعددة منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم. 

منذ انتهاء الحرب الباردة في اواخر ثمانينات القرن العشرين, لم تشهد منطقة في العالم نزاعات مسلحة كتلك التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط ان لجهة عددها و طبيعتها أو لجهة تداعياتها التي تجاوزت دول المنطقة و شعوبها. و ما من منطقة في النظام العالمي المعاصر كانت مسرحا لنزاعات داخل الدول و فيما بينها مثل ما هي الحال في منطقة الشرق الاوسط. معظم النزاعات التي حصلت في انظمة اقليمية اخرى في آسيا و افريقيا و اميركا اللاتينية انتهت اما اثناء الحرب الباردة (الحرب في كوريا و فيتنام, و نزاعات مسلحة في افريقيا وآسيا) او مباشرة بعد انتهائها, خصوصا في بلدان اوروبا الوسطى و الشرقية.  

نزاع واحد شذ عن القاعدة ولا مثيل له في النظام العالمي, القديم والجديد على حد سواء, هو النزاع العربي-الاسرائيلي العاصي عن الحلول, وهو النزاع الاطول والاكثر تعقيدا بين النزاعات الاقليمية في النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية, و ذلك على رغم مبادرات السلام المتعددة لانهائه لا سيما في تسعينات القرن المنصرم. انه بلا شك النزاع الام في الشرق الاوسط, فيما النزاعات الاخرى في المنطقة هي بشكل او بآخر ناتجة عن عدم ايجاد الحل للنزاع العربي-الاسرائيلي الذي شهد تحولات عميقة في طبيعته و بات اليوم نزاعا مسلحا محصورا بين اسرائيل والفلسطينيين. وفي الاشهر الاخيرة تحول النزاع الى صراع عنيف على السلطة بين الفلسطينيين انفسهم, و انتج انفصالا سياسيا (الى جانب الانفصال الجغرافي القائم) في الاراضي المحتلة بين قطاع غزه تحت سيطرة حماس والضفة الغربية حيث مركز السلطة الوطنية الفلسطينية و نفوذها. 

الواقع ان المنطقة مكتظة بالنزاعات السياسية المعسكرة, الا ان اخطرها حرب العراق, المتعددة الاوجه والاهداف. في العراق نزاعاتٌ قديمة – جديدة متراكمة كالجمر تحت الرماد, فجرها الاجتياح الاميركي للعراق في 2003 بعد عقود من سيطرة الدولة السلطوية البعثية و بعد قرون من الانقسامات العميقة في الاسلام بين السنة والشيعة. قادت الولايات المتحدة الحرب للقضاء على نظام صدام حسين بعد ان شهدت واشنطن تحولات جذرية في سياستها الخارجية تمثلت باعلان الحرب الشاملة على الارهاب على اثر اعتداءات 11 ايلول 2001, اولا في افغانستان و من ثم في العراق على رغم غياب الادلة على تورط النظام العراقي في اعتداءات 11 ايلول وعدم امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل

ايقظت حرب العراق المسائل الخلافية الدفينة في المجتمع العراقي دفعة واحدة , وهي انقسامات موجودة بدرجات متفاوتة في المجتمعات العربية, خصوصا في المشرق العربي. و جاءت الحرب لتفتح الباب واسعا امام التمدد الايراني داخل العراق و للتوظيف السياسي والعسكري لحالة الفوضى الداخلية من جيران العراق لاسباب واهداف مختلفة, فهناك الجار الخائف على امن نظامه والجار المرحب بالوجود الاميركي العسكري بهدف لجم التوسع الايراني, والجار الساعي الى التوسع والسلطة بأية وسيلة متاحة ومهما كان الثمن.  

في العراق سلسلة نزاعات متداخلة: نزاع داخل العراق بين مكونات الشعب العراقي من سنة و شيعة واكراد, و نزاع بين الدولة العظمى, الولايات المتحدة, وايران, الدولة الطامحة للعب دور الدولة العظمى في نظامها الاقليمي, ونزاع بين النظام العراقي الجديد و دول الجوار لا سيما سوريا والسعودية, و نزاع بين الاصوليات المذهبية, و نزاع بين الولايات المتحدة والجماعات المسلحة التابعة للقاعدة او تلك التي تدور في فلكها, ونزاع محوره التصدي للارهاب يقابله محاولة تعميم الممارسة الديمقراطية. انها اجندة حافلة بالتناقضات والمصاعب افرزتها حرب العراق و حولتها الى حاضنة للنزاعات جميعها من المحيط والخليج العربيين مرورا بايران وافغانستان و صولا الى الولايات المتحدة الاميركية. 

صراع آخر يلف المنطقة, وان لم يكن معلنا ومعترفا به من الاطراف المعنية. انه صراع الحضارات المعولم – بمعزل عن ما كتبه المفكر الاميركي صاموئيل هانتفتون, صاحب النظرية الاساسية لهذا الصراع – في زمن الفضائيات والانترنت. وهو الصراع المتداخل بين السلطة والتسلط على مستوى الدولة ومنظمات مسلحة تعمل خارج اطار الدولة (Non-state actors). اما القضية المحورية في هذا الصراع فمرتكزها الدين في زمن تحول الاسلام السياسي المتطرف الى اداة صراع سياسي و عسكري مفتوح, لا افق له و لا حدود لتداعياته و للزخم الذي يحرك شعوب المنطقة والعالم الاسلامي بشكل عام, اقله على المدى المنظور. انه, في نهاية المطاف, صراع مدمّر للذات و للآخرين على حد سواء. 

وفي هذه المنطقة من العالم تبرز نزاعات من نوع آخر بدأت في مرحلة تكوين الدولة الحديثة منذ انهيار السلطنة العثمانية و هي متواصلة باشكال مختلفة. النزاع الاساس في هذا السياق يرتكزعلى القومية (nationalisme): القومية العربية, القومية السورية, القومية الاسلامية, وقوميات اخرى ظهرت في لبنان والعراق و مصر, اضافة الى القومية اليهودية, المتمثلة بالحركة الصهيونية التي حققت اهدافها بقيام دولة اسرائيل في 1948, و هي لا تزال في حالة توسعية و في جهوزية كاملة لهذا الغرض. 

و الصراع على الهوية يشكل العنوان الابرز لمسألة القومية التي تتقاطع مع الصراع على السلطة داخل الدول و في ما بينها. انه عمليا المأزق التاريخي للدولة في العالم العربي: دول مرفوضة بحدودها القائمة بحسب النظرية القومية على اساس انها دول مصطنعة اوجدها الغرب عبر اتفاق Sykes-Picot الشهير في 1916, اي انها حركة قومية تسعى الى اقامة الدولة الواحدة بهدف توحيد الامة التي لا وجود لها في الاساس سوى نظريا و في المخيلة الايديولوجية ولا قدرة على تحقيقها ان بوسائل السلم او عن طريق الحرب. انها حالة ايديولوجية لا مثيل لها في اي نظام اقليمي معاصر بالنسبة الى الرابط بين الدولة والامة. 

الواقع ان الدول العربية الحديثة نشأت بعد تفكك الامبراطورية العثمانية على اثر هزيمتها في الحرب العالمية الاولى و ليس لان كيانا "دوليا" (étatique) موحدا كان قائما و جاء من يفتته من الخارج. ففي حين كان نشوءالامة في الغرب من رحم الدولة, كما في التجربة الفرنسية والروسية والبريطانية, فان نشوء الدولة في المنطقة العربية تزامن مع نشوء الامة المفترضة. و استمر الصراع بين الدولة الوحدوية المفترضة والامة الموحدة التي هي قيد التكوين نحو قرن من الزمن وساهم في انتاج سلوك توسعي لانظمة قومية عربية, خصوصا حزب البعث في العراق و سوريا, تجاه دول الجوار, اضافة الى محاولات قيام الوحدة الفاشلة بدءا بالجمهورية العربية المتحدة(1958-1961) بين مصر و سوريا, مرورا بمحاولات وحدوية بين مصر و سوريا و العراق في الستينات, و صولا الى معمر القذافي في ليبيا الساعي الى وحدة قسرية مع جيرانه في حقبة تبنيه العروبة بعد ان هجرها في السنوات الاخيرة و بات الآن من دعاة الوحدة الافريقية. 

لقد شكلت هذه المسائل الخلفية التاريخية للنزاعات المعاصرة و تقاطعت مع التحولات الكبرى التي طرأت على النظام العالمي بزعامة الولايات المتحدة منذ احداث 11 ايلول 2001. لقد اوجد النظام العالمي في حقبة الحرب الباردة اطرا معينة للنزاعات في المنطقة و في العالم, و رسم حدودا كان من الصعب تجاوزَها في اطار توازنات القوى بين الجبارين. من هنا يبرز الفارق الكبير بين حرب العراق-ايران في ثمانينات القرن الماضي حيث تم وضع حد لها في اطار تسوية سياسية و عسكرية برعاية الجبارين في العام 1988, و حرب العراق اليوم التي اندلعت قبل اربع سنوات ولا تزال متواصلة في ظل غياب  آلية فاعلة لانهائها و بالتالي لعودة الاستقرار الى العراق و تحصينه من تدخلات الداخل والخارج. هكذا كانت حرب العراق الثانية مدخلا لنزاعات متعددة الاتجاهات ولا ضوابط لها سوى العنف الذي يواجَه بعنف اكثر شراسة و قتلا للناس الابرياء. 

تبقى الاشارة الى النزاعات المحتملة على الساحة العربية و محورها الاساس حرب العراق. محاور عدة قد تشهد مزيدا من التوتر والانقسام مع احتمال حدوث نزاعات مسلحة في ظل الشرح الحاد القائم بين الولايات المتحدة و حلفائها العرب من جهة و سوريا وايران من جهة اخرى, و نشير الى اهمها:

  • المحور الاميركي – الايراني الذي قد يشهد ضربة عسكرية اميركية تستهدف المنشآت الحيوية والبنية التحتية في ايران في حال لم تستجب طهران للارادة الدولية لاقرار تسوية بشأن قدراتها النووية. و قد تقع المواجهة العسكرية في الاشهر الاولى من 2008.
  • المحور الاميركي – السوري – الايراني في ما يخص العراق من جهة و لبنان و فلسطين من جهة اخرى, وتحديدا التدخل السوري المرفوض اميركيا, والى حدّ ما دوليا, في شؤون البلدان الثلاثة.
  • المحور الاسرائيلي – السوري واحتمال حدوث مواجهة عسكرية محدودة بين سوريا واسرائيل ان في الجولان او لاسباب مرتبطة بالكلام المتداول عن محاولات سوريا تطوير قدرات نووية بدعم  من كوريا الشمالية, او ربما بسبب الوضع اللبناني البالغ التعقيد.
  • المحور الفلسطيني – الاسرائيلي والفلسطيني – الفلسطيني, و هو ليس مرشحا لتصعيد عسكري, لا سيما وان الجهد الاميركي منصب على تهدئة الاوضاع واعادة احياء مسارات التفاوض المباشر بين اسرائيل والفلسطينيين. الا ان الوضع قد يتدهور بسبب اي اعمال عنف قد توقع خسائر بين المدنيين عند الطرفين.
  • المحور اللبناني – الاقليمي – الدولي, وهو ربما الاكثر تعقيدا. ثمة جهد كبير يبذل على المحورين السعودي و الايراني لتجنيب لبنان نزاعا مذهبيا شبيها بالحالة العراقية. الا ان الوضع مأزوم للغاية و يتقاطع الآن مع استحقاق الانتخابات الرئاسية. في لبنان ازمات "نائمة" قد تتحرك في حال توافرت لها ظروف مؤاتية, و منها العلاقات المأزومة بين لبنان و سوريا, و بين سوريا والولايات المتحدة حول المحكمة الدولية, والوضع المدوّل في جنوب لبنان بعد صدور القرار 1701 وابعاد حزب الله عن الحدود مع اسرائيل, وامكانية حصول فراغ في الرئاسة الاولى, و هذا ما سيدخل البلاد في نفق مظلم حافل بالمطبات واحتمالات الفوضى. ان خطورة الوضع في لبنان تكمن في تقاطعه مع ازمات المنطقة جميعها في حين ان قدرات الدولة اللبنانية محدودة قبل حدوث تشققات جديدة, و كم بالحري اذا تفاقمت الازمة و بلغت حد اللجوء الى العنف.

 

المسيحييون هم الضحية الاولى في اي وضع مأزوم في لبنان. فهم اول من حمل لواء السيادة الوطنية و حاربوا من اجلها واستُهدفوا بسببها في مرحلة الوصاية السورية, سياسيا وامنيا و ديمغرافيا, و كانت بكركي حاملة لواء السيادة في مواجهة اطراف الداخل والخارج. الا ان الاستهداف ظل يمارس عليهم حتى بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005, فجاء اعتماد قانونَ الانتخاب نفسَه الذي كان اداة فاعلة لتهميش المسيحيين سياسيا و عزلهم عن موقع القرار.  

و ما على اللبنانيين سوى التوحد حول مقاربة جامعة و مشتركة للملفات الثلاثة الشائكة : السيادة, المحكمة الدولية, والمقاومة عبر تحصين السيادة و دعم المحكمة الدولية و رسم سياسة دفاعية تهدف الى حماية لبنان و ضبط حدوده مع اسرائيل و سوريا في اطار سيادة الدولة و سيطرتها على قرارها الامني والسياسي والعسكري في الداخل و مع الخارج. ان مأزق لبنان التاريخي يعبِّر عنه السؤال التالي: كيف يمكن حماية مصالح لبنان و تأمين سيادته و الحفاظ على حريات مجتمعه و نظامه الديمقراطي و تأمين تفاعله وانفتاحه على انظمة حكم اقليمية تتحكم فيها دول سلطوية و مجتمعات مغلقة؟ انه التحدي التاريخي الذي لازم لبنان منذ نشوء الدولة الى اليوم. 

اين موقع المسيحيين من تلك النزاعات ؟

الجامع في السياسة بين مسيحيي منطقة الشرق الاوسط انهم ليسوا في موقع التأثير المباشر في القرار السياسي كما انهم لا يملكون القدرة على الممانعة في حال اتخذ اي قرار سياسي يستهدفهم الا في حدود دنيا. هذه هي حال المسيحيين في العالم العربي بشكل عام : في مصر والعراق وسوريا و فلسطين والاردن. اما الاستثناء فهو الحالة اللبنانية حيث للمسيحيين موقع و دور في الحياة السياسية, على رغم التراجع النسبي الذي حصل في السنوات الاخيرة. و تعود الجذور التاريخية للاستثناء اللبناني الى مرحلة ما قبل نشوء الدولة الحديثة في 1920, اي الى زمن الامبراطورية العثمانية حيث كان الحاكم المحلي في جبل لبنان مسيحيا مارونيا او متحالفا مع الموارنة, منذ الامارة المعنية في القرن السادس عشر حتى المتصرفية. و منذ قيام المتصرفية في 1861 كان لجبل لبنان موقع سياسي وقانوني خاص معترف به من الدول الكبرى, و لقد شكلت المتصرفية النواة السياسية والجغرافية والقانونية لدولة لبنان الكبير في 1920. 

اسباب عديدة اوجدت هذا الواقع المتمايز للمسيحيين في لبنان لا مجال لتفصيلها هنا, انما نشير الى الدور الفاعل الذي قامت به الكنيسة المارونية ممثلة ببطاركتها على مر العصور وبالعلاقة الوثيقة بين الكنيسة المارونية والكرسي الرسولي و بعض دول الغرب لا سيما فرنسا. 

ثمة نماذج ستة لحال المسيحيين في المنطقة:

  1. مسيحييون في ظل الدولة السلطوية (مصر, سوريا, عراق نظام البعث, ايران), يمارسون معتقداتهم الدينية بحرية, الا انهم مهمشون سياسيا.
  2. مسيحييون في ظل الثورة والحركة الوطنية لتحرير الارض, كما هي الحال في فلسطين, و تراجع اوضاع المسيحيين مع انحسار الثورة الوطنية وتنامي الاسلمة السياسية المتداخلة مع الانقسامات الحادة داخل المجتمع الفلسطيني.
  3. مسيحييون في ظل دولة ذات منحى ليبرالي, كما هي حال المسيحيين في الاردن حيث يتمتعون بحريات دينية و سياسية و بحضور سياسي لافت.
  4. مسيحييون في دولة مفككة لا تزال قيد الانشاء تتقاذفها النزاعات المسلحة و حالة عدم استقرار في الحياة اليومية للناس, كما هي الحال في العراق الآن. مسيحييو العراق مستهدفون امنيا و كذلك كنائسهم, وهم في هجرة متواصلة الى خارج البلاد. انه الوضع الاسوأ في المرحلة الحاضرة بالنسبة لمسيحيي الشرق.
  5. مسيحييون في مواجهة نزاعات مسلحة في دولة منقسمة, كما هي حال المسيحيين في السودان.
  6. المسيحييون في دول الخليج العربي حيث يتمتعون بحرية ممارسة معتقداتهم الدينية و بناء الكنائس كرعايا اجانب, خصوصا في الكويت والامارات وقطر, حيث لا وجود لمسيحيين مواطنين. الحالة السعودية هي الاكثر تشددا في المجال الديني لغير المسلمين.

 

ان اكثر ما يسيء الى الحضور المسيحي في الشرق وجود نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية داخل الدولة و في العلاقات بين الدول لان المسيحيين اقلية عددية في دول المنطقة جميعها و هم غير قادرين على ممارسة السلطة السياسية لا بهدف التسلط والحكم بل للحماية الذاتية. لذلك فان حمايتهم و حماية مصالحهم و حرياتهم مرتبطة بصاحب السلطة والقرار في الدولة. و غالبا ما يتحولون في زمن الازمات الى "فشة خلق" لغضب الاكثرية, خصوصا وان الانظمة السياسية في العالم العربي تفتقر الى الديمقراطية الليبرالية في الممارسة السياسية.  

والضرر يزداد تفاقما بسبب الانحسار الديمغرافي للمسيحيين والهجرة المتواصلة الناتجة عن حالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما في دول المنطقة حيث للمسيحيين وجود تاريخي يعود الى القرون الاولى للمسيحية. الضمانة المتاحة للوجود المسيحي في الشرق هي الدولة, فاذا كانت الدولة سلطوية "احتمى" المسيحييون بسلطتها و لا خيار آخر لهم, واذا كانت ليبرالية يغلب عليها الانتماء الوطني على اية انتماءات اخرى فتعود بالنفع على جميع المواطنين, مسيحيين و مسلمين.  

الواقع الافضل بالنسبة الى مواطني دول الشرق العربي, مسيحيين و مسلمين, هو التزام الدول الديمقراطية و حقوق الانسان في اطار نظام حكم مدني يرسم الخط الفاصل بين الدين والدولة, و دول تقيم علاقات طبيعية فيما بينها وتتواصل مع العالم في زمن العولمة الشاملة بلا تقوقع او عقد ذنب. انها الحالة المثالية التي يصعب تحقيقها ما دامت المنطقة تتجاذبها النزاعات المسلحة و ما دام يتحكم بها نظام قيم بعيد كل البعد عن الانفتاح والليبرالية التي تسود عدد كبير من دول العالم, الغني منها والفقير, في الشرق غير العربي والغرب معا. 

العالم العربي والاسلامي, و هو عالم المسيحيين في هذا الشرق, يشهد حاليا تحولات تاريخية غير مسبوقة في اطار كيان الدول (مقارنة بالكيانات الامبراطورية في مراحل تاريخية سابقة) في حجمها و تداعياتها, و هي لا تزال في بداياتها, ولن تجد تلك التحولات نقطة توازن تؤمن لشعوب المنطقة و لدولها الاستقرار والامن على المدى المنظور. انها اسوأ حالات الواقع السياسي بالنسبة الى مسيحيي الشرق, افرادا و جماعات وكنائس ومؤسسات كنسية. 
 

  • الاحتماء بالغرب / الولايات المتحدة
  • الحماية الذاتية
  • تحديد الدور