هل المصالحة هي مع الله أم مع الإنسان؟
نتخيل حالة صديقان اختلفا أو تعاركا. فمن الطبيعي أن نجد أن العلاقة الوطيدة بينهما قد توترت ومن المحتمل أن تنقطع العلاقة تماماً. فقد لا يتحدث أحدهم مع الأخر ثانية. ويصبح الصديقان تدريجياً غرباء. وهذه المقاطعة بينهما لا يمكن اصلاحها الا من خلال المصالحة. فالمصالحة تعني استرداد التناغم بين الأصدقاء واستعادة العلاقة بينهما.
والكتاب المقدس يخبرنا أن المسيح قد صالحنا مع الله. وحقيقة احتياجنا للمصالحة مع الله توضح انقطاع علاقتنا مع الله. وحيث أن الله قدوس، فإن اللوم يقع علينا. فخطيئتنا فصلتنا عن الله. يخبرنابولس أننا كنا في عداوة مع الله: "لأنه إن كنا ونحن اعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه. فبالأولي كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته".
فعندما مات المسيح من أجلنا على الصليب، حمل عنا حكم الله وأعطانا سلام مع الله. "فمصالحتنا مع الله"، اذاً، تتضمن قبولنا نعمة الله ومغفرة خطايانا. وكننتيجة لتضحية المسيح، فإن العداء تحول الى علاقة صداقة ومحبة. والمصالحة هي حقيقة مجيدة، فقد كنا أعداء الله والأن نحن أصدقاؤه. ولقد كان محكوم علينا بالموت بسبب خطايانا ولكن الآن قد غفرت لنا خطايانا. ولقد كنا في حرب مع الله، ولكن لنا الآن السلام الذي يفوق كل عقل.
والآن نستطيع أن نرى بوضوح أكبر كيف أن المصالحة تأتي بنا إلى ملء بركة الإنجيل بصفة إيجابية إننا كمُسامَحِين نَعلم أن خطايانا انمحت وكمُبرَرين أُسقطت عنا التهم التي هي علة دينونتنا وكمفديين عبرت عنا أيام عبوديتنا ولكن كمُصالَحين لنا كامل القبول وثقة الدخول إلى رحاب محبة الله ورضاه. إننا بالمصالحة مع الله دخلنا إلى قمة البركات على أعلى مستوى.
ولكن هل المصالحة هي مع الله أم مع الإنسانأم تصبح كاملة لدى قبولنا وممارستنا للتوبة والغفران؟
المصالØØ© مع الله
Ø£Øبّت المرأة الخاطئة يسوع، Ùندمت عن خطاياها. وأØبّت كثيرًا لأنّها تواضعت Ùقامت بÙعل توبة علنيّ، وهي معروÙØ© ÙÙŠ المدينة، ودخلت بيت سمعان الÙرّيسيّ، غير آبهة Ù„Øكمه الصارم، وأØبّت كثيرًا لأنّها جثت على قدمي يسوع وبكت خطاياها وذرÙت دموعًا غزيرة، ونشّÙت رجليّ الربّ بشعرها، ثمّ دهنتهما بالطيب. هذه كلّها Ø£Ùعال تعبيريّة عن توبتها الكبيرة ÙˆØبّها الشديد ليسوع. إنّه اعترا٠وإقرار بخطاياها، وبقداسة الله المتجلّية ÙÙŠ شخص يسوع، ÙˆÙعل إيمان Ø¨Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ ÙˆÙ‚Ø¯Ø±ØªÙ‡ الالهيّة الشاÙية.
من يتوب٠إلى الله توبة صادقة، بندامة كاملة على خطاياه، Ùهذا ÙŠØبّ الله ويØبّه كثيرًا. ذلك أنّه عندما ارتكب الخطايا رÙض Øبّ الله، وأÙرغ قلبه من Ù…Øبّة الله، وأمعن ÙÙŠ الاساءة إليه. من ÙŠØبّ لا يرتكب الاساءة، ومن يسيء لغيره لا ÙŠØبّه.
الأمم الذين كانوا قبلاً بعيدين وغرباء وبلا رجاء، صاروا قريبين بدم المسيØØŒ الذي قتل العداوة بينهما وجعل الاثنين واØداً، أي اليهود والأÙمم.هذه العداوة التي كانت تØكم العلاقات بين اليهود والأمم، هي مثال للعداوة بين كلّ الناس.
Ùكم Ù…ÙÙ† Øواجز Ùاصلة بين جماعة وأخرى، وبين إنسان وإنسان، بل بين أبناء البيت الواØد. لكن Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ø¨Ù…ÙˆØªÙ‡ وقيامته أنهى كلّ عداوة، سواء بين الله والإنسان، أو بين الإنسان والإنسان. وهكذا صالØنا مع الله، وصالØنا معاً Ùيه. وبصليبه تأسَّست علاقة Ù…ÙصالØØ© رأسية مع الله، ومÙصالØØ©ØŒ تابعة كنتيجة وسبب للأولى، Ø£Ùقية مع بعضنا البعض. Ùالأولى أساس الثانية. والثانية نتيجة أكيدة وبرهان Øقيقي لوجود الأولى.
هناك Øواجز كثيرة يمكن أنْ تÙصل بين الناس، Øتى بين المؤمنين منهم. Øواجز الجنس والسّÙنّ والمظهر والذكاء والمستوى الاقتصادي والÙكري ووجهات النظر الدينية. لكن Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ø£Ø²Ø§Ù„ هذه الØواجز ووØَّد الجميع ÙÙŠ عائلة واØدة Ù…ÙصالَØØ© مع الله ومع بعضها.
المصالØØ© مع الإنسان
إن المÙØµØ§Ù„ÙŽØ Ù…ÙصالÙØØŒ هذه هي قوة قيامة المسيØØŒ قوة المÙصالØØ© العÙظمى التي تشÙÙŠ الخصومة، سواء كانت ÙÙŠ داخلنا مع الله، أو مع أنÙسنا، أو خارجنا مع الآخرين. Ùكلّ Ù…ÙŽÙ† يلبي النداء "تصالØوا مع الله"ØŒ بأمانة ويقين، يتغيَّر تغيّÙراً جذرياً. الجانب الأول من هذا التغيير ÙŠØدث ÙÙŠ علاقته مع الله، والثاني ÙŠØدث ÙÙŠ علاقته بالآخرين. Ùهذه المصالØØ© تمتدّ إلى الجانب الآخر من Øياة الإنسان المÙØµØ§Ù„ÙŽØ Ù…Ø¹ الله، ليكون Ù…ÙصالÙØاً لأخوته على هذا النØÙˆ.
يعطه الله خدمة المصالØØ©ØŒ بين الله والإنسان بموت المسيØØŒ بين النÙس والجسد بقيامة المسيØØŒ بين الإنسان والإنسان بكلمة وخدمة المصالØØ©.أي المناداة بالمÙصالØØ© التي تمَّت بين الله والإنسان. ويضع ÙÙŠ Ùمه كلمة المÙصالØØ©ØŒ Ùيسعى كسÙير عن Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ ÙŠØ¹Ø¸ باسمه عظة Ø®Ùلاصتها (تصالØوا مع الله)ØŒ أي اقبلوا هذه المصالØØ© المعروضة عليكم،التي أنشأها Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ø¨Ù…ÙˆØªÙ‡ وقيامته.
يأخذ المبادرة ÙÙŠ المصالØØ©ØŒ عندما يقترب إلى الله ليجد قبولاً لديه، Ùإنَّ عليه أنْ يذهب أولاً ÙˆÙŠØµØ·Ù„Ø Ù…Ø¹ أخيه قبل أن يتقرَّب إلى الله. Ùقبل أنْ تقترب إلى الله اقترب من أخيك ÙˆØ§ØµØ·Ù„Ø Ù…Ø¹Ù‡. لأنَّ الله لا يقبل عبادة أو خدمة من اعتدى على Øقوق غيره، المادية أو المعنوية، إلا إذا Ø§ØµØ·Ù„Ø Ø£ÙˆÙ„Ø§Ù‹ مع أخيه.
ÙŠÙØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø¢Ø®Ø±ÙŠÙ† معاً،الذي ØªØµØ§Ù„Ø Ù…Ø¹ الله ونادى الآخرين لهذه المصالØØ©ØŒ ÙˆØªØµØ§Ù„Ø Ù…Ø¹ أخوته، يقوم بدور المÙصالÙØ Ø¨ÙŠÙ† إخوته، صانعاً سلاماً بينهم. "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله ÙŠÙدعون". هكذا ÙŠÙعل أبناء القيامة، يتصالَØون ويÙصالÙØون.
التوبة ومغÙرة الخطايا Ùعل Øبّ من الانسان ومن الله. من يتوب عن خطاياه ويرجع إلى الله، إنّما يقوم بÙعل Øبّ، والله الذي يغÙر الخطايا يؤدّي Ùعل Øبّ.
المصالØØ© من خلال التوبة والغÙران
كثيرا ما نستعمل كلمتي الصÙØ ÙˆØ§Ù„ØºÙران كمرادÙين. الواقع أن هنالك Ùرقًا بين المصطلØين. ÙمغÙرة الله للإنسان تختل٠عن صÙØ Ø§Ù„Ø¥Ù†Ø³Ø§Ù† لنÙسه ولأخيه الانسان. الصÙØ Ø£Ù…Ø± بشري والغÙران أمر إلهي. عندما يصÙØ Ù„ÙŠ أخي، Ùهو يتوق٠عن لومي على الخطأ ويتوق٠عن معاتبتي واعتباري شريرًا، ويØاول أن ينسى الماضي وينظر الى المستقبل، لكنه لا يقدر أن يعمل أكثر من ذلك. لا يقدر أن يغيّر قلبه ولا أن يغيّر قلبي بينما عندما يغÙر الله لي، Ùإنّه يصÙØ ÙˆÙŠÙ†Ø³Ù‰ ويستطيع أن يغيّر قلبي بقوّة النعمة. الغÙران ليس إعÙاءً من الدين ÙØسب، بل هو تØرير من سلطة الخطيئة وإعادة الانسان الى الاتØاد بالله بواسطة ذبيØØ© يسوع المسيØ. هكذا ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø§Ù†Ø³Ø§Ù† الخاطئ خَلقًا جديدًا ÙÙŠ المسيØ. إن القديس يوØنّا يربط مغÙرة الله لنا باعتراÙنا Ù†ØÙ† بخطيئتنا أو ضعÙنا. وهذا يقودنا الى الكلام عن ضرورة أن نغÙر Ù†ØÙ† لأنÙسنا. وهذا أمر نادرًا ما Ù†Ùكّر Ùيه. Ùقد نسمع من يقول أو نقول Ù†ØÙ†: "أعلم أن الله غÙر لي، لكني لن أغÙر أنا لنÙسي أبدًا". هذا شعور ÙŠØب Ù…Øاربته بشدّة. لأن الله يغÙر وينسى الى أبد الآبدين. قال Ø£Øدهم أنه عندما يغÙر الله الخطيئة Ùأنه يدÙنها ÙÙŠ أعماق بØر الغÙران والنسيان، ثم يضع على الشاطئ لاÙتة تقول: "ممنوع الصيد""ØŒ أي ممنوع الرجوع الى ما رÙمي ÙÙŠ البØر. العودة دائمًا الى الماضي وعدم تصديق غÙران الله لنا خطيئة بØÙ‚ رØمة الله، وقد تكون دليلاً على مشاعر عصبية مرضيّة. غÙران الله يقتلع الألم من أساسه.
غÙران الله لنا أوّلاً، وغÙراننا لذواتنا ثانيا، وأخيرًا صÙØ Ø§Ù„Ø§Ù†Ø³Ø§Ù† عن أخيه الإنسان. لأنه إن غÙر الله للإنسان، Ùلا يمكن الاّ أن يغÙر الإنسان لأخيه.
لذا نقول أن الصÙØ Ù„ÙŠØ³ مجرّد Ù…Øاولة لنسيان الإساءة وليس Ù…Øرّد تطبيق العدل على الآخر، ولا تبسيطًا للأمور ولا التغاضي عن الخطأ ولا ضعÙًا ولا ضَربًا من ضروب الدبلوماسيّة ولا ومضة عابرة من ومضات التقوى. الصÙØ Ù‡Ùˆ الØب الذي يشÙÙŠ الداء ويزيل الألم. الصÙØ ÙŠØ¹Ù†ÙŠ أن يختار الإنسان السير Ù‚ÙدÙمًا ÙÙŠ الØياة، ويرÙض العيش تØت سيطرة مشاعر الكراهية والبغض. الصÙØ ØªØرّر من الماضي. الغÙران أمرٌ ÙÙŠ غاية الجمال ÙˆÙÙŠ غاية الصعوبة.
الصÙØ ÙˆØ§Ù„Ù…ØµØ§Ù„ØØ© صعبين لأن الإنسان يميل بطبيعته الى الانتقام. وأن لم يتمكّن من الانتقام من خصمه بشكل مباشر لسبب ما، Ùإنّه ينتقم منه ÙÙŠ الخÙاء. ÙˆØتى إن Ø³Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ø§Ù†Ø³Ø§Ù†ØŒ Ùإنّه يتصعّب ÙÙŠ العودة الى التعامل مع الآخر بنÙس سهولة الماضي. ولذلك أكثر من سبب، منها: الكبرياء عقدة الذنب انتقاد الآخرين
لذا Ù†Ø·Ø±Ø Ø§Ù„Ø³Ø¤Ø§Ù„: كي٠يمكن تخطي هذه الصعوبات للوصول إلى الغÙران والمصالØة؟
أساس المقدرة على الصÙØ Ù„ÙŠØ³ المشاعر بل العقل والإرادة. الصÙØ Ù‡Ùˆ قرار العقل بالتخلّص من الغضب والكراهيّة والاستياء. ثم تأتي المشاعر التي يجب السيطرة عليها Ù„Øظة الغÙران أو المسامØØ©. الطرق إذا ثلاثة: طريق العقل وطريق القلب وطريق الروØ.
ÙÙŠ النهاية، لا يسعنا سوى القول أن الغÙران والمصالØØ© ركنٌين أساسيين من أركان الØياة المسيØية، وبالذات ÙÙŠ وقت الصوم والتوبة الذي هو "وقت متميّز" Ù„Ù„ØªØµØ§Ù„Ø Ù…Ø¹ الله ومع القريب. ميزة الانسان المسيØÙŠ هي المقدرة على الغÙران. وعندما يقوم المؤمن بذلك، Ùإنه ÙŠØµØ¨Ø Ø®ÙŠØ± شاهد٠لله. وبدون هذه الميزة تبقى مختل٠التعبّدات الخارجية مجرّد أعمال خارجية نختÙÙŠ خلÙها لكنها لا تقرّبنا من الله بأي شكل من الأشكال لمجرّد أنها لا تقرّبنا من الآخر.
ÙÙŠ الأسبوع المقدس هنالك الثلاثة الÙصØية (الخميس والجمعة والسبت) Øيث تتركّز الأمور والمÙاهيم بشكل أكبر. وقمة القمم هي الجمعة العظيمة، Øين تتم المصالØØ© بين الأرض والسماء. الجمعة العظيمة هي أكبر عملية مصالØØ© تمت ÙÙŠ تاريخ البشرية.
Paul Kerbage