معجزة بناء لبنان الواحد بدون لبنانـيّين موحَّدين
النهار في 19 أيلول 2009 ـ صفحة القضايا
سجعان قزي
صورتان للبنان. أولى من الجو بعدسة تاريخية، والأخرى من الأرض بعدسة سياسية. والصورتان رغم تناقضهما، حقيقيتان: الأولى تزرع الإحباط والغضب واليأس، والأخرى تحيي الأمل والرجاء والإيمان. تعايُشُهما معاً، طوال عقود على حساب أمن اللبنانيين وحريتهم، بلغ اليوم أجَـلَه، وعلى اللبنانيّين أن يختاروا إحداهما، أو أن يعطوا صورة جديدة عن أنفسهم للأجيال المقبلة والعالم.
في ظل تعدد ولاءات اللبنانيين، طبيعي أن تجري مفاوضات بين دول يدين لها اللبنانيون بالولاء لتأليف الحكومة اللبنانية. ولا نستغربنّ يوماً يُضاف فيه إلى الدستور اللبناني بندٌ يجعل المفاوضات الخارجية مُلزِمة كما الاستشارات النيابية.
أمس طالبنا بإلغاء المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، لم يُستَـجَب لنا. اليوم يولد مجلس وصاية سوري ـ سعودي ـ أميركي، فيعترف به مسؤولون وقادة لبنانيون ويطالبون بتوسيعه.
أين السيادة والاستقلال؟ أين كرامة المسؤولين اللبنانيين؟ أين كرامة
الصورة الأولى
8 Ùˆ 14 آذار؟ 1920 Ù€ 2009)ØŒ وقد يتجدد مئة عام أخرى، ومعه تتجدد الØروب والأزمات والاØتلالات والاغتيالات والدمار والمآسي والهجرة. وعلى هذا المنوال، سيأتي يوم ÙŠØµØ¨Ø Ùيه لبنان أرضاً بلا شعب، أو أرضاً بلا شعبها الأصيل.
الصورة الثانية
مراجعة مسيرة تاريخ لبنان الØديث ترسم صورة أخرى تبعث الإيمان بمستقبل هذا الوطن: Øين تأسست دولة لبنان كان الكيان مساØØ© Ùجعلناه وطناً. عاش هذا الوطن عقوداً يتنÙس بنص٠رئة لأن النص٠الآخر كان ÙŠÙـنعÙØ´ كيانات أخرى. رغم هذه الإعاقة المرØلية، Ù†Ø¬Ø Ø§Ù„Ù„Ø¨Ù†Ø§Ù†ÙŠÙˆÙ† ÙÙŠ تنظيم إدارة تØت الانتداب، ثم جارتهم الظرو٠Ùانتزعوا الاستقلال وبنوا دولة كانت Ù€ مع كل شوائبها Ù€ الأÙضل والأرقى ÙÙŠ الشرق الأوسط والعالم العربي وآسيا الصغرى. ولتØصين هذه الدولة وضع اللبنانيون الميثاق الوطني Ùأتى إبداعاً ÙلسÙياً وسياسياً ÙŠÙرسي توازناً بين المسيØيين والمسلمين. أعطى الميثاق المسيØيين، بØكم تاريخهم، أرجØية سياسية Ø£Ùادت لبنان وأضرّت بهم.
انسابت الØياة العامة والخاصة ÙÙŠ لبنان هادئة، Ùإذ بهذا البلد، الÙقير بموارده الطبيعية والصغير بمساØته والقليل بسكانه، يغدو رمز Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ø§Ù‚ØªØµØ§Ø¯ÙŠ والمالي وعنوان الازدهار والاستقرار، ÙÙ„ÙـقّÙب بـ "سويسرا الشرق" Ùˆ"منارة المتوسط": هنا الجامعات والثقاÙØ©ØŒ المستشÙيات والصØØ©ØŒ المصار٠والسرية المصرÙية، التعايش وملتقى الأديان.
أليست معجزة أن ÙŠÙ†Ø¬Ø Ø§Ù„Ù„Ø¨Ù†Ø§Ù†ÙŠÙˆÙ† ÙÙŠ ابتداع كل ذلك (لبنان الكبير، بناء الإدارة، نيل الاستقلال، الميثاق الوطني، بناء الدولة، الاقتصاد المزدهر) رغم اختلاÙهم Øول الولاء والكيان والهوية والسلطة والسياسة. أليست معجزة أن ÙŠÙبنى لبنان الواØد بدون لبنانيين موØَّدين؟
انكـبّت الدولة على معالجة الخلاÙات الطائÙية والقومية بتوسيع المشاركة السياسية وتØقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن، ÙÙوجئت عند نهاية٠الستينات وبداية السبعينات باللاجئين الÙلسطينيين يتØولون جيشاً Ùدويلة بقيادة منظمة ÙتØØŒ Ùأيدتهم Ùئات إسلامية ويسارية برعاية سورية مشبوهة. بدأت "نكبة لبنان": انقسم اللبنانيون، اندلعت الØرب اللبنانية الكبرى بين سنوات
صØÙŠØ Ø£Ù† نهاية الØرب ثـبّـتت الاØتلال السوري عملاً باتÙاق الطائÙØŒ وأÙخضÙع اللبنانيون Ù„Øكم شبه عسكري أضع٠المسيØيين، وامتصَّ كل مقومات لبنان الØضارية والثقاÙية والمالية والاقتصادية، لكن سنة
أليست معجزة كذلك أن يلتقي تلقائياً ما ÙŠÙوق مليونَ لبنانيّ٠متعددي الانتماءات الطائÙية والمناطقية والØزبية ÙÙŠ
بقيت ثلاث ظواهر للمعالجة من أجل استقرار الدولة المستقلة: الأولى Ùلسطينية ذات بÙـعد عربي إسرائيلي هي التوطين الÙلسطيني، والثانية لبنانية ذات بÙـعد شيعي إيراني هي Ø³Ù„Ø§Ø Øزب الله ومشروعه، والثالثة لبنانية ذات بÙـعد عربي إسلامي هي الأصولية السنية السلÙية. من دون أن نساوي وطنياً بين هذه الظواهر، إذا تمكن اللبنانيون من الاتÙاق معاً على إعادة انتشار الÙلسطينيين ÙÙŠ الدول العربية وبعض الدول الأجنبية يَسقط التوطين وننقذ ÙˆØدة لبنان وصيغته. وإذا اقتنع Øزب الله بأÙضلية توظي٠التØرير ÙÙŠ دولة لبنان ÙŠÙØلّ موضوع Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø ÙˆÙ†Ù†Ù‚Ø° ÙˆØدة لبنان وأمنه. أما الظاهرة السلÙية المعسكَرة، Ùمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية تبدو، Øتى الآن، قادرة على معالجتها.
بعدما انسØب الإسرائيلي، ÙŠÙـمكن Øزب الله أن يكون عاملاً مساعداً ÙÙŠ تثبيت ÙˆØدة لبنان كما Ùعل المسيØيون بعد الانسØاب العثماني، والسÙـنَّـة٠والدروز بعد الانسØاب السوري. نظام المتصرÙـيّـة Øضّر الموارنة ليطالبوا بلبنان الكبير، الانتداب الÙرنسي أثار اللبنانيين ÙتوØَّـدوا Øول الاستقلال، لبنان المستقل أشرك المسلمين Ùعلياً ÙÙŠ Øكم الدولة، توسيع المشاركة جعل المسلمين يسلّمون بلبنان وطناً نهائياً. اليوم، ÙˆØزب الله يشعر بÙخر المقاومة ÙÙŠ الجنوب، Øريّ به أن يعيد الشيعة إلى Ø£Øضان الدولة Ùيلتقوا مع سائر اللبنانيين ÙÙŠ سلام داخلي مبني على الكرامة والقوة والØÙ‚ والنظام.
أين Ù†ØÙ† من الصورة الأولى؟ جميلة الصورة الثانية، لاسيما ÙÙŠ شقها السوريالي. لبنان، واقعياً، مزيج من الصورتين: الأولى نعيشها ÙÙŠ الآلام، والثانية نراها ÙÙŠ الكتب. والغريب، أن الصورة القبيØØ© هي انعكاس للصورة البهية. أليس ÙÙŠ الأمر معجزة؟ وألا Ù†Øتاج معجزة ØŸ.
*****************************************
1975 Ùˆ 1990ØŒ تَعطَّلت الدولة، واØـتÙـلَّت البلاد إلا Ù…Ùربّعاً مسيØياً (من ÙƒÙرشيما Øتى جسر المدÙون) قاوم وانتصر مع بشير الجميل سنة 1982ØŒ ثم انهزم بعد استشهاده بسبب "Øروب الموارنة". وخرج اللبنانيون من مآسي تلك السنوات معلÙنين الولاءَ للبنان النهائي ورÙضَ التوطين الÙلسطيني. أليست معجزة أيضاً أن يتوØّد الولاء ويÙرÙض التوطين Ùيما كان هذان العنصران بين أسباب رئيسة أشعلت الØرب؟ 2005 ثار الشعب اللبناني ÙانسØب الجيش السوري (كما دخل) بقرار دولي. 14 آذار 2005 ÙÙŠ ساØØ© الشهداء، وأن ينسØب الجيش السوري من لبنان بعد اØتلال دام ثلاثين سنة؟أين Ù…Ùاعيل ثورة الأرز؟ أين تØرير الجنوب؟ أين كرامة الشعب اللبناني؟ أين Ùائدة القرارات والمØكمة الدولية؟ أين دم الشهداء؟ أين العهد الجديد؟خÙـضنا Øرباً بمجتمع Ù…ÙـترَÙ٠ونستهلك السلام بمجتمع Ùاسد. نعيش مأساة وجودية وكيانية ونجتاز أزمة نظام ودستور ÙŠÙØـتّÙمان اللجوء إلى الضمير قبل العÙلم Ù„Ù†ØµÙ„Ø Ù…ÙŠØ«Ø§Ù‚ الØياة معاً. كانت الدولة ÙÙŠ لبنان غطاء وهمياً لوطن ممزق. اليوم Ø£ØµØ¨Ø Ø§Ù„ÙˆØ·Ù† غطاء وهمياً لدولة ممزقة. ÙˆÙيما يدÙع الوطن ثمن تعدّد الولاءات، تدÙع الدولة ثمن تعدد الهيمنات. كذا نَـتَـنَـقَّـل بين وَهْم وآخر وبين خيبة وأخرى. نبØØ« عن ذاتنا ÙÙŠ مرآة سوانا، وعن مصالØنا ÙÙŠ مخططات غيرنا. Ù†ØÙ† شعب تاعس يغطي Øزنه بÙØ±Ø Ù…Ùرط، وبنمط Øياة يلهيه عن مشاكله الأساسية والعميقة. Ù†ØÙ† سكارى نداوي Ø£Øزاننا بالخمر Øتى الثمالة، ومن لا ÙŠØتسي الخمر يداوي أمراضه بالتديّن Øتى الأصولية. Ù†Øتاج إلى وكالة غوث المØـبَطين.
 
أثناء Øقبة الاØتلالات كان شعور اللبنانيين بالعنÙوان أقوى لأنهم كانوا يقاومون ويØلمون بالتØرير. أما اليوم، Ùعيبٌ يَـجÙـرّ٠مَذلّة، ومَذلّـةٌ تَجلب عاراً، والشعب غير مبال: يكتÙÙŠ بالقر٠والتذمر عوض أن يثور على Øكامه وقادته ويÙرسي قواعد دولة جديدة قادرة على إدارة شؤونها باستقلالية ÙˆØرية وشهامة.
تألي٠Øكومة لبنان ما كان ليجري ÙÙŠ الخارج لولا واقعان: Øاجة اتÙاق الطائ٠إلى عرّاب خارجي للتنسيق بين المؤسسات الدستورية الثلاث، وانقسام اللبنانيين وتباهيهم بتبعيتهم للخارج مع أنهم اعترÙوا بلبنان وطناً نهائياً، ورÙعوا شعار لبنان أولاً. وسبب تبعية اللبنانيين للخارج هو أن لكل طائÙØ© مشروعاً للبنان يستØيل عليها تØقيقه من دون مساعدة خارجية مادية وعسكرية. ÙˆØدهم اللبنانيون يستطيعون تØقيق مشروع واØد: لبنان الØر. لكنهم غير مجمÙعين على هذا الØلم الممكن. هذان الواقعان (العرّاب الخارجي والانقسام الداخلي) يستدعيان إجراءين: تعديل بنود دستورية باتÙاق الطائÙØŒ وإعادة النظر ببنية الدولة المركزية.
تØرير الأرض ليس ÙˆØده معيار استقلال لبنان وسيادته. جيوش الدول انسØبت من لبنان لكن سياسيّـينا لم ينسØبوا من أي دولة. هذا السلوك يؤكد للعالم أننا شعب يعاني من Øالة انقسام مزمنة رغم التغني بالوØدة، ومن قلة نضوج سياسي دائم رغم التباهي بالوطنية. ÙÙ†ØÙ† شعب ألÙÙ€Ùنا تكرارَ الاعتذار من المستقبل وطلبَ العÙÙˆ من التاريخ. وهذه الØيثيات تÙـقـدّÙÙ… التبريرات للتدخل الخارجي ولÙوَضعنا، بشكل شبه دائم، تØت انتداب أو وصاية أو رعاية أو اØتلال.
لبنان الكبير ØÙـيكَ ÙÙŠ Ùرساي، استقلاله مَـرَّ ÙÙŠ لندن، دستوره الØالي Ø·ÙÙ‡ÙÙŠÙŽ ÙÙŠ الطائÙØŒ ورؤساء جمهوريته ومجالسه النيابية ÙˆØكوماته Ø£ÙنضÙخوا ÙÙŠ باريس وواشنطن والقاهرة ودمشق والرياض وطهران، وأخيراً ÙÙŠ الدوØØ© (لاØظوا هذا الخط الانØداري). وجميع المراØÙ„ الزمنية أثبتت أن لبنان الموØَّد مركزياً هو مشروع برسم الاØتلال لأن ÙˆØدة الدولة لا تعكس شعباً موØَّداً Øضارياً وثقاÙياً وروØياً واجتماعياً وتربوياً. Ù†ØÙ† شعب لا نتقاسم الØقائق ولا الأساطير، لا التاريخ ولا المستقبل، لا الدين ولا الأنبياء. لا الØلال ولا الØرام، Ù†Ø³Ø¨Ù‘Ù€Ø Ø§Ù„Ù„Ù‡ ونقتل باسمه. نريد الأمن ولا نَـكÙÙ€Ùّ٠عن التقاتل، نريد السيادة ولا نَـكÙÙ€Ùّ٠عن الاستعانة بالغريب، نريد الاستقلال ولا نَـكÙÙ€Ùّ٠عن الانØياز، نريد الدولة وننشيء الدويلات، وندّعي الشموخ ونÙدمن على العمالة.
سابقاً،
هذا الواقع المرير يدوم منذ تسعين عاماً (
هنا يطرØون التنظيم اللامركزي، وهناك يطـبّـقون الÙدرالية، وهنالك يهمسون بالتقسيم، نعم بالتقسيم. لا Ù†ÙخَـبّÙـئَـنَّ رؤوسنا ÙÙŠ الرمال: مؤس٠أن يعود مشروع تقسيم لبنان قيد التداول داخلياً وعربياً ودولياً. لكن الوقت لم ÙŠÙŽÙ€ÙÙت كي نقاومه رغم الجو المكÙهر والواقع الأسود. التÙكير الواقعي المستَـخلَص من التجارب ÙŠÙØْيي Ùينا رجاء الوØدة الاتØادية، لأن الوØدة المركزية Ø´ÙرÙب نَخـبÙـها وقÙضÙÙŠÙŽ Ù†ØـبÙـها، وهي لا تناسب مجتمعاً يكتن٠هذه التعددية المتناÙرة.