الوكالات الحصرية
” والنتعات ” التشريعيّة
وليد الخازن
” بالرغم من كل نص مخالف، لا يسري بند حصر التمثيل التجاري على ” الأشخاص الثالثين ، إلاّ إذا أعلنه الوكيل بقيده في السجل التجاري وعلى ” المواد المصنفة من الكماليات دون سواها
” تصنف المواد من الكماليات ، بمرسوم ….
المرسوم الإشتراعي رقم 73 تاريخ 9/9/ 83 الفقرة الثانية من المادة15
بعيداً عن جو السجالات والجدل الذي يسود موضوع التمثيل التجاري ، وبصرف النّظر عن ” النتعات ” الديماغوجية أو النظريات التي تدّعي السياسة الواقعية Realpolitik مثل تلك التي فاتحنا بها بعض المحلّلين . ومن غير التقليل من أهمية البعدين الإقتصادي والإجتماعي ، لا بدّ من مقاربة الموضوع من الناحية القانونيّة البحتة . ذلك من جهة ، لأن أرضية السجالات تبقى بالنتيجة مشروع قانون ، ومن جهة أخرى ، لأن القانون بأسبابه الموجبة ومفاعيله وتطبيقه يطال القطاعات الحياتية كافة بما فيها التي تتمحور حولها كل هذه السجالات .
تَرعىَ التمثيل التّّجاري في لبنان عدة نصوص قانونيّة ، بدءا” بقانون الموجبات والعقود، وقانون التجارة ، مرورا” بقانون العمل ، وقانون الضمان الإجتماعي ، وبالنتيجة المرسوم الإشتراعي رقم 34 تاريخ آب 67 وتعديلاته ، والمرسوم الإشتراعي رقم 73 أيلول 83 .
فعند كلّ هبّة ، وكما جرت العادة في لبنان ، تُسنّ نصوص تشريعيّة جديدة ، تُضاف إلى السابقة ، وتُدخل المواطن في نوع من فوضى تشريعيّة تستتبع فوضى في التطبيق . هذا في حال كانت تُطَبقَّ في البداية .
فمن الثابت علميا” أن قيمة النص القانوني تكمن في إمكانية وفعاليّة ومدى تطبيقه .
ومن الثابت أيضا” ، أن شمولية النص ، ووضوحه ، وخاصة” بساطته ، من شأنها أن تسهل تطبيقه .
فكلما تَشَابكت النصوص ، تَشَابكت صلاحية الإدارات المولجة ، وكلما تبعثرت النصوص وأضيفت الجديدة إلى سابقاتها ، وأن بغية تطويرها ، صعب التطبيق وإستحال التنفيذ . ومن المعلوم أن مبدأ التماسك والتناسق التشريعي Cohesion juridique ، يَعُمُّ الأنظمة التشريعية الحديثة كافة ، بحيت أصبح المبدأ الأساس .
فمن الرجوع إلى مشروع القانون المتعلق بحماية الوكالات الحصرية في لبنان ( أم بإزالة هذه الحماية ) ، تركزّ الكلام عن السبب الموجب الأساسي : منع الإحتكار ، وبالتالي، تسهيل المنافسة من أجل تخفيض أسعار السلع موضوع الوكالات الحصرية مع المحافظة على الجودة ، وذلك نفعا” للمستهلك .
ففي هذا الإطار ، وبصرف النّظر عن فعالية المشروع للوصول إلى مُبتغى أسبابه الموجبة، يقتضي التذكير والتنبيه إلى أنه سبق للمشترع اللبناني أن عالج هذا الموضوع منذ سنة 1942، ومن ثم في سنة 1967 . وطوّر تنظيمه حتى أمسك بجوانبه كافة منذ سنة 1983، فالمرسوم الإشتراعي رقم 73 تاريخ 9 أيلول1983المتعلق ” بحيازة السلع والمواد والحاصلات والإتجار بها ” ، رَعىَ هذا الموضوع ونظّم في بابه الرابع الإحتكار والمضاربة غير المشروعة . غير أن الحكومات المتتالية ، وآخرها الحكومة الحالية ، لم تكترث بما سبق من قوانين ، فعوضا” عن أصدار المراسيم التطبيقية للإضفاء على هذا المرسوم الإشتراعي مفاعيله كافة ، أهملته قرابة عشرين سنة، وبعدها تناسته وراحت تروج إعلاميا”، ” بنتعة ” جديدة ، لموضوع يستهوي المواطن الرازح تحت وطأة الضرائب المتلاحقة والأسعار المرتفعة والدخل المتضائل وكابوس الدين العام . فبدت وكأنها تريد أن تحمي المستهلك والمواطن عامّة” من طغيان الإحتكار وجشع المحتكرين ، في حين أنه كان عليها بكل بساطة تطبيق المرسوم الإشتراعي رقم 73 الآنف الذكر الذي كان قد حظر الإحتكار، ونظّم المنافسة ، وأنشأ محاكم خاصة للبت بالتعقبات المحالة أمامها من قِبَل عدة مصادر ذي صفة .
فضلا” عن ما تقدّم ، غير صحيح أن الدول المتطورة إقتصاديا” لا تسمح بالوكالات الحصرية، بلّ بالعكس ، أنّ قوانين التجارة ومثلا” تلك المتعلقة باداة المشروع التجاري ( أي المؤسسة التجارية)، تدور حول الحصريّة كلّما تمّ بيع مؤسسة ، وغالبا” ما تكون هذه الحصريّة جغرافيّة ومقيدة بفترة زمنية يرعاهما عقد التفرّغ .
وفي أي حال ، فمع تقليص ميدان تطبيق الحصرية ، تحترم قوانين وأنظمة الدول الأنجلوسكسونية، حرية التاجر في حقه ببيع أم بعدم بيع من الزبائن ، السلع المعروضة ، بحيث أنه يحق لصاحب المؤسسة أن يرفض بيع أي سلعة وخاصة أن يرفض تقديم أي خدمة إذا أراد ذلك بعكس ما هي الحال في لبنان ، حيث يعتبر التاجر في حالة إستدراج عروض دائمة ( المادة 181موجبات وعقود ) ، وبالتالي بمجرد أن يقبل المشتري السعر المعروض ، تحتمّ على التاجر أن يبيعه ، أو أن يقدم له الخدمة المعروضة على العموم . ولا يُخفى ما لهذا الفارق في النظام التشريعي من نتائج في موضوع الحصرية . فالتاجر اللبناني ملزم بتقديم السلعة والخدمة( مثلا” قطع غيار السيارات وتصليحها ) إلى كل الزبائن ، بصرف النّظر عن المكان الذي يكون قد إبتيعت السلعة منه ( مثلا” السيارة ) ، وفي هذه الحال يكون التاجر الذي أنفق الكثير في تجهيز مؤسّسته ، وفي الإعلان عنها وترويج سلعها ، ملزما” بتأديّة الخدمة لصاحب سيارة إبتاعها من عند غيره ……
وفي النهاية ، فلا حاجة لترداد كل ما أثارته مختلف الهيئات الإقتصاديّة ، وخاصة” جمعيات التجّار، من مساوىء . فقد فاض الكلام عنها ، لذا إكتفينا بالإشارة إلى البعد التشريعي والفوضى التي تسوده جراء الهبّات “والنتعات ” الظرفيّة التي تعصف بالحكومات التي تريد أن تظهر وكأنها الحامية لمصالح المواطن، في حين أنها بالواقع تهدّد النظام الإقتصادي بأسره في ظروف صعبة للغاية .
فتكاثر التشريع وتَبعثُره وعدم إستقرارهِ أي الغوغائيّة في التشريع ، تساهم في خلق جوّ من الحذر يزعزع ثقة المواطن بحكّامه وبثبات وديمومة دولته ، ناهيك عن المستثمرين الأجانب الذين تبقى في أولى إهتمامامتهم مصداقية النظام التشريعي في البلد الذي يريدون توظيف أموالهم فيه .
ملاحظة: حتى مكافحة الإغراق DUMPING فقد رعاها
المرسوم الإشتراعي رقم 31 تاريخ 5 آب 1967
Annahar newspaper, on Tuesday, march 19th, 2002