الباحث والمحلل السياسي اللبناني يرى أن ما تقوم به عصابة شاكر العبسي تنفيذ لتوجيهات سورية
سجعان القزي لـ "السياسة": كل المخيمات الفلسطينية في لبنان "نهر بارد"
جريدة السياسة الكويتية : الخميس، 21 – يونيو – 2
بيروت ـ من صبحي الدبيسي:
المقدمة
اعتبر الباحث والمحلل السياسي سجعان القزي أن التوطين أصبح واقعاً في لبنان منذ توقيع اتفاق القاهرة سنة، 1969 لاسيما مع تمدد الوجود الفلسطيني بشرياً وعسكرياً في كل لبنان وتحوله في نفس الوقت إلى مشروع دولة محل الدولة اللبنانية، لكنه لفت إلى أن هذا المشروع سقط مع مقاومة اللبنانيين له في حرب نيسان/ ابريل، 1975 وظن اللبنانيون سنة 1982 أن المخيمات الفلسطينية عادت مخيمات، فإذا بهم بتفاجاؤن بأنها أصبحت مجدداً معسكرات ودويلات داخل الدولة اللبنانية. وكل مخيم فلسطيني في لبنان بات دولة فلسطينية على غرار الدولة الفلسطينية المنشأة في الأراضي الفلسطينية المستعادة.
وفي موضوع التوطين الفلسطيني رأى القزي أنه ليس بحاجة إلى حرب "نهر البارد" لكي ينفذ، فهو قائم بحكم الوجود الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، بحكم عدم وجود سلطة الدولة في هذه المخيمات، وخاصة بحكم عدم وجود أفق حل لا للقضية الفلسطينية فحسب، وإنما للانتشار الفلسطيني خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضاً، مشدداً على أن الوضع الفلسطيني في لبنان لا يمكن أن يبقى بعد معركة "نهر البارد"، مثلما كان قبلها.
كلام قزي جاء في سياق حوار أجرته معه "السياسة"، تناول فيه أبعاد حرب مخيم "نهر البارد"، وخطر توطين الفلسطينيين في لبنان، ومسببات تفشي الأصوليتين الشيعية والسنية فيه، معدداً ثلاثة عوامل ساهمت بإعادة تسلح الفلسطينيين في المخيمات من بينها الصراع الخفي بين منظمة التحرير الفلسطينية وركنها الأساسي "فتح" من جهة، والمنظمات الفلسطينية الأصولية بركنيها الأساسيين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من جهة أخرى، ويضاف إليها الحالة الأصولية المنتشرة خارج لبنان والتي قررت أن تنشئ لها قواعد انطلاقاً من المخيمات في لبنان
واتهم قزي سورية باستخدام قوى أصولية موجودة "غبّ الطلب" لمنع نشوء دولة لبنانية خارج وصايتها، كاشفاً بأن مسؤولية الأحداث هي نوع من تلاقي مصالح بين ضدين ضد عدو مشترك هو الدولة اللبنانية. فالنظام السوري الذي يريد أن يستعيد نفوذه السياسي والأمني وتقرير مصير الحكم في لبنان التقت مصلحته مرحلياً مع مصلحة تنظيمات جهادية وإرهابية موجودة في لبنان وتابعة أساساً للحالة الأصولية السنية الموجودة في العالم العربي وخارجه. واعتبر قزي أن تلاقي هاتين المصلحتين أدى إلى تفجر الوضع، علماً أن الأصولية السنية نشأت أو اُستقدمت لتواجه الأصولية الشيعية. القزي اعتبر أن شاكر العبسي يقوم بعمل بناء لإرشادات سورية ولكن هذا ينفي انتماءه إلى الحالة السنية الأصولية والإرهابية الخارجة عن الأصول السنية وسائر الأنظمة العربية القائمة، بدليل أنه قبل وصوله إلى سورية فلبنان كان في أفغانستان وفي العراق والأردن وغيرها من الدول.
ورأى أن السيد حسن نصر الله أخطأ في مساواة الجيش اللبناني الذي طالما كان سنداً لحزبه، بمجموعات إرهابية حولت مخيماً فلسطينياً معسكراً. ولفت إلى أن أي تغيير في التوازن اللبناني الطوائفي سيؤدي كحد أدنى إلى الفيدرالية وكحد أقصى إلى التقسيم، ولا يستطيع أي طرف في لبنان أن يدعي أنه أكثرية، لأن كل اللبنانيين أقليات ويصبحون ضعفاء إذا واجه بعضهم البعض الآخر.
القزي اعتبر أنه كان على "حزب الله" بعد انتصاره سنة 2000 أن يتحول من علياء انتصاره إلى حزب سياسي ويعدّل في عقيدته الجهادية وينخرط في النسيج اللبناني لا في السياسة اللبنانية فقط، مؤكداً أن الأصولية لن تنتصر في لبنان، وإذا انتصرت فيعني أن لبنان سيقسم إذ لن تقبل طائفة لبنانية بتغيير نمط حياتها. وأكد قزي استحالة عودة سورية إلى لبنان، لأن النظام السوري ضعيف ويكاد يضبط أمن دمشق واللاذقية، مشدداً على أن عودته إلى لبنان ستكون هذه المرة نهاية النظام السوري لا نهاية لبنان.
وفي ما يلي نص الحوار:
· هل تعتبر معركة »نهر البارد« بداية لمشروع توطين الفلسطينيين في لبنان? وما هي قراءتك لما يجري في الشمال?
أظن أن التوطين الفلسطيني لم يعد مشروعاً في لبنان، بل هو واقع ينمو منذ سنة 1969 حين استخدمت منظمة التحرير الفلسطينية "اتفاق القاهرة" لتكثيف الوجود الفلسطيني بشرياً وتقويته عسكرياً في كل لبنان. وقد تحول مع الوقت إلى دولة محل الدولة اللبنانية وكان هذا الأمر أخطر من التوطين. ورغم أن هذا المشروع سقط بفضل مقاومة اللبنانيين في حرب السنتين (1975-1976)، نرى مشروع التوطين الفلسطيني يُطل مجدداً حيث نتفاجأ أن المخيمات عادت معسكرات ودويلات داخل الدولة اللبنانية. وأقول أكثر من ذلك أن كل مخيم فلسطيني في لبنان أصبح دولة فلسطينية على غرار الدولة المنشأة في الأراضي الفلسطينية المستعادة أي قسم من الضفة الغربية وغزة. واللافت إن لدى المخيمات الفلسطينية في لبنان ركائز ومقومات دولة أكثر من السلطة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية وغزة. فكل مخيم يضم كل المنظمات الفلسطينية ولديه قيادة وجيش وقوى أمن، وتنظيم داخلي وعلاقات خارجية ولجان تنسيق ومساعدات مالية وميزانيات، إلخ. هكذا لا تشكل هذه المخيمات الفلسطينية دويلات بديلة عن الدولة اللبنانية فحسب، بل دويلات موازية للدولة الفلسطينية القائمة في فلسطين. أما حول علاقة معركة "نهر البارد" بالتوطين، فلا أعتقد أن هناك علاقة مباشرة بين الأمرين. فالتوطين الفلسطيني لا يحتاج إلى حرب "نهر البارد" لكي يتعزز. فالتوطين قائم بحكم ديمومة الوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية، وبحكم استقلالية هذا الوجود عن الدولة اللبنانية داخل المخيمات وخارجها، وخاصة بحكم عدم وجود أفق حل للقضية الفلسطينية بشكل عام ولفلسطينيي الشتات.
لقد أثبتت الحلول الجزئية التي حصلت منذ سنة 1993 إلى اليوم، يعني من اتفاقية أوسلو فخريطة الطريق فالمشاريع المتعددة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بأن إقامة دولة فلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية السابقة قد يكون حلاً للهوية الفلسطينية، لكنها ليست حلاً للوجود البشري الفلسطيني. لا أعتقد أن أي دويلة فلسطينية تقوم على الأراضي الفلسطينية وحتى في إطار فيدرالية فلسطينية-أردنية، قادرة على استيعاب فلسطينيي الشتات. من هنا على الفلسطينيين أن يختاروا بين ثلاثة احتمالات، واعترف أنها ليست احتمالات مثالية. الاحتمال الأول أن يبقى الفلسطينيون على وضعهم الحالي داخل المخيمات (تقاتل بين فصائلهم، بؤس، شقاء، فقر، فقدان التربية والتعليم والظروف الصحية وأبسط الحقوق الإنسانية). الاحتمال الثاني هو الاستمرار في صراع دائم مع اللبنانيين شعباً أو دولة مما يؤدي إلى حروب دموية دورية. والاحتمال الثالث وهو أن تدرس المراجع اللبنانية والفلسطينية والعربية والدولية طريقة إعادة انتشار الفلسطينيين في العالم العربي وفي اي دولة تفتح أبوابها لهم. وحين أتحدث عن ذلك، فلا أسيء إلى الفلسطينيين من الناحية القومية لأن الفلسطينيين يؤمنون بالقومية العربية، وطالما دعوا إلى الأمة الواحدة، والدولة الواحدة. إذاً حين ينتشرون في الدول العربية فإنهم لا يزالون في إطار الأمة وفي الإطار القومي الذي طالما ناضلوا في سبيله. كما أني لا أسيء إليهم من الناحية الإنسانية والاقتصادية والمعيشية والحضارية، لأن لبنان غير لم ولن يكون قادراً على استيعاب 425 ألف فلسطيني (حسب اعترافات سفير فلسطين في لبنان عباس زكي في شهر يونيو الجاري). وبالتالي فإن استمرار الفلسطينيين في المخيمات، يعني استمرار حالة البؤس التي هم عليها. بينما انتشارهم في دول أخرى يوفر لهم ظروف حياتية كريمة بانتظار أن تعود الأرض السليب. وحين أعرض هذه الفكرة لا أسيء إليهم حتى من الناحية الوطنية والأمل بحق العودة. إذ أن وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يقربهم من حل لقضيتهم، أكثر من وجودهم في الأردن أو سلطنة عمان أو الكويت أو السعودية أو العراق أو مصر، أو كندا وأوستراليا، إلخ…
إذاً لا يوجد أي مساوئ لفكرة إعادة انتشار الفلسطينيين لا من الناحية القومية العربية ولا من الناحية الإنسانية، ولا من الناحية الوطنية الفلسطينية، لا بل أن هذه الفكرة تحيي في الفلسطينيين القدرات الذاتية وتحولهم من شعب بائس لا يمتلك أي مقومات الحياة الإنسانية إلى شعب قادر على استعادة حياة طبيعية، على التعلم على التثقف، على حيازة الشهادات العليا.
بصراحة لا يستطيع الشعب الفلسطيني أن ينتصر لا اليوم ولا غداً على إسرائيل إلا بوسيلتين: "الحجر" الذي جعل الانتفاضة الفلسطينية تذكر العالم بحقه فكانت الدولة الفلسطينية، و"العِلم" الذي يسمح للفلسطينيين بمنافسة الإسرائيليين. فلا نخطئ ببعض الانجازات العسكرية المرحلية. كإطلاق صواريخ من غزة وإيقاع إصابات إسرائيلية. هذه ليست انتصارات بل مضايقات تؤدي إلى مزيد من الضراوة والوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الشعب الفلسطيني. وحتى خارج فلسطين، فرغم صمود أبناء لبنان في الجنوب في إطار مقاومة "حزب الله"، لا أعتقد أن هذا الصمود البطولي حسّن موقع حزب الله ووضع لبنان. فاللافت أن الذي اعتبر نفسه منهزماً عسكرياً أي إسرائيل حاز على شروط سياسية وكأنه منتصر، والذي اعتبر نفسه منتصراً عسكرياً أي "حزب الله" خضع لشروط أمنية وسياسية وكأنه هو المنهزم.
في هذا الإطار العام لا أعتقد أن أحداث مخيم »نهر البارد« ستقدم أو تؤخر في التوطين، إنما ستزيد الشرخ بين الفلسطينيين فيما بينهم أولاً وبينه وبين اللبنانيين من جهة ثانية. لقد فتحت معركة "نهر البارد" ملف الوضع الفلسطيني في لبنان، والذي أعاد فتحه هذه المرة ليس الفريق اللبناني بل الطرف الفلسطيني. فما قامت به "فتح الإسلام" ـ ولا أعتقد أنها عصابة كما يحلو لـ "تيار المستقبل" أن يسميها ليغسل يديه من كل الحالة الأصولية في لبنان ـ من شأنه أن يطرح إشكالية الوجود الفلسطيني في لبنان السياسي والعسكري. لقد أثار ممثل فلسطين في لبنان عباس زكي وسائر المنظمات الأخرى الوضع الفلسطيني، انطلاقاً مما يحدث في مخيم "نهر البار" وبوادر ما حصل وما سيحصل في "عين الحلوة"، طرحوا الوضع المعيشي والاقتصادي للفلسطينيين، مما دفع أطرافاً لبنانية على إثارة الوضع العسكري لهذه المخيمات وما يشكله من أخطار على لبنان أيضاً. لا يجوز أن يبقى الوضع الفلسطيني في لبنان على ما هو عليه. وإذا كنت لا أحب أن أستعمل كلمة "حسم" لأن الحسم العسكري هو بين أعداء بينما نحن والفلسطينيون ننتمي إلى عالم عربي واحد، فلا أعتقد بأن الفلسطينيين يستطيعون أن يستمروا في لبنان بعد معركة "نهر البارد" مثلما كانوا قبلها.
· عندما كانت تُسأل القيادة الفلسطينية في لبنان حول موضوع السلاح الفلسطيني كان الجواب بأن السلاح الثقيل تم تسليمه للدولة اللبنانية في العام 1992 لكن أحداث "نهر البارد" تؤكد أن المخيمات الفلسطينية تحوي ترسانات من الأسلحة. لماذا هذا السلاح بهذا الشكل، هل هو لحماية النفس، وهل المخيمات الفلسطينية تريد محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين، أم ماذا?
أعتقد أن ثلاثة عوامل ساهمت بشكل رئيسي في إعادة عسكرة الفلسطينيين وتسلحهم في المخيمات: العامل الأول هو الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية وركنها الأساسي "فتح" وبين المنظمات الفلسطينية الأصولية بفصيليها الأساسيين "حماس" و"الجهاد الإسلامي". ثانياً العلاقة السنية اللبنانية مع الحالة الفلسطينية، حيث أن بعض التيارات السياسية اللبنانية السنية اعتبر أن تسلح الفلسطينيين، وهم في غالبيتهم الساحقة من المذهب السني، قد يجعل منهم جيشاً يستعمل هذه المرة في مواجهة "حزب الله" لا بديلاً من الجيش اللبناني كما فعلوا عام 1975. والعامل الثالث هو الحالة الأصولية المنتشرة خارج لبنان والتي قررت أن تنشئ لها قواعد داخله، انطلاقاً من المخيمات ذلك أن المخيمات تربة صالحة، بحكم الخلافات بين المنظمات والبؤس الفلسطيني والشقاء، لنمو كل حركات التطرف أكانت علمانية أو يسارية أو أصولية. في الستينات والسبعينات كانت المخيمات الفلسطينية تربة لنمو الحالات اليسارية والعقائدية. في التسعينات وبداية القرن الجديد أصبحت تربة لنمو الحالات الأصولية الدينية. هذه هي العوامل الثلاثة الأساسية التي أدت إلى هذا التسلح الهائل للمخيمات الفلسطينية. ولا أعتقد أن مخيم "نهر البارد" هو حالة استثنائية بين المخيمات، فكل المخيمات الفلسطينية، بطريقة أو بأخرى، هي "نهر بارد" آخر.
· تلاقي المصالح السورية مع المصلحة الأصولية أدى إلى تفجير الوضع، لماذا تشن الحرب على لبنان من خلال الفلسطينيين وليس من خلال حلفاء سورية في لبنان?
فيما لا أنفي مسؤولية سورية في أحداث مخيم "نهر البارد"، لا أعتقد أن سورية أنشأت هذه القوى. سورية استغلتها واستخدمتها لمصلحتها ضد مشروع نشوء دولة لبنان خارج وصايتها. هناك نوع من تلاقي مصالح مرحلية وآنية بين تنظيمات أصولية موجودة في لبنان وتابعة أساساً للحالة الأصولية السنية في العالم العربي وخارجه وبين نظام سوري يريد أن يستعيد نفوذه السياسي والأمني في لبنان لاسيما في هذه المرحلة التي يشارف فيها اللبنانيون على استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي سيقرر سياسة الحكم في لبنان للسنوات المقبلة. إن تلاقي هاتين المصلحتين أدى إلى تفجير الوضع في نهر البارد. وإذا عدنا بالذاكرة التاريخية إلى كل المفاصل السياسية والعسكرية التي أدمت لبنان، نرى أنها كانت نتيجة تلاقي مصالح الأضداد لا الحلفاء فقط. غالباً ما شنت الحروب على لبنان من خلال تلاقي أخصام ضد خصم ثالث هو لبنان. وعلى سبيل المثال في حرب 1975 تبين أنه كان هناك تلاق ما بين إسرائيل وسورية ضد لبنان، كما كان هناك تلاق بين إطراف لبنانيين وبين منظمات فلسطينية ضد لبنانيين آخرين، إلخ.
أنا لا أتصور أن هناك مصلحة على المدى البعيد لنظام بعثي علماني مع الحالة الأصولية التي تمثلها "فتح الإسلام" ظاهرياً، ويتخفى وراءها عدد من التنظيمات الأصولية التي هي على اتصال ما مع مرجعيات هامة في الدولة اللبنانية سياسية وأمنية وتنتمي إلى تيارات في الأكثرية والمعارضة على حد سواء.
· عندما يتبين أن شاكر العبسي قتل السفير الأميركي في الأردن وفر إلى سورية واعتقل هناك ثم جرى تهريبه إلى مخيم »نهر البارد«، ماذا يمكن أن تقول?
أقول أن شاكر العبسي يعمل لمصلحة سورية. في علم المخابرات إن أفضل عميل للدولة ما هو الشخص الذي يكون معتقلاً لديها وتطلقه مقابل تكليفه مهمة. وفي هذا السياق أظن أن شاكر العبسي يتحرك حالياً بناء لإرشادات سورية. هذا لا يمنع أنه ينتمي أساساً إلى حالة أصولية إرهابية خارجة عن الأنظمة العربية. والدليل أنه قبل وصوله إلى سورية كان في العراق والأردن وأفغانستان. إذاً، قبل وصوله إلى سورية كان العبسي صاحب سوابق في الإرهاب الإقليمي والدولي.
· تقول بأن الأصولية السنية وجدت في لبنان لتستخدم ضد الأصولية الشيعية، فلماذا إذاً وصف السيد نصر الله مخيم البارد بالخط الأحمر?
كان لدي عدة تفسيرات لموقف السيد حسن نصر الله. التفسير الأولي هو أن السيد حسن نصر الله أخطأ في مساواة الجيش اللبناني، الذي طالما كان سنداً لحزب الله وغطى، عن حق أو عن باطل ما كان يقوم به، بمجموعات إرهابية في مخيم فلسطيني تحول معسكراً. كنت أنتظر من السيد نصرالله أن يؤيد الجيش اللبناني دون قيد أو شرط، خاصة أن الجيش بأخلاقيته ومناقبيته، ليس بحاجة لمن يضع له خطوطاً حمراء، فهو يعرف المذنب من البريء، والإرهابي من المدني. والدليل أنه تأخر في وضع حد لأحداث "نهر البارد" فلكي يتحاشى إيذاء المدنيين. والذين يتباكون على المدنيين في مخيم "نهر البارد" هل يستطيعون أن يعطونا أسماء الضحايا من المدنيين الذين سقطوا؟ أظن أن الضحايا الفلسطينيين المدنيين قليلون جداً.
· إذا كان ما جرى في "نهر البارد" هو نتيجة إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، أفلا يوجد أسباب أخرى?
من المؤكد أن المحكمة الدولية هي أحد مسببات انطلاق شرارة الأحداث في مخيم "نهر البارد" وغيره، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى اليوم. لكن ما يحدث هو أيضاً جزء من مشروع يهدف إلى منع قيام الدولة اللبنانية السيدة الحرة المستقلة. وهذا المشروع، يشرف عليه النظام السوري مع شركاء آخرين يستفيدون من بعض جوانب المشروع السوري للتسلل إلى الحالة اللبنانية وتنفيذ مشاريعهم الأخرى التي تطال هوية الكيان اللبناني الذي يضم مسيحيين ومسلمين ودروزاً ارتضوا أن يعيشوا معاً في إطار دولة حرة مستقلة في محيط عربي يتضامنون معه. المس في هذه الهوية الكيانية هو مس بوحدة لبنان تلقائياً، لأن أي تغيير في الميزان اللبناني الطوائفي سيؤدي إلى الفيدرالية كحد أدنى وإلى تقسيم كحد أقصى. وليكن واضحاً، لا يستطيع أي طرف في لبنان أن يدّعي أنه أكثرية أو أقوى من طرف آخر، فكل اللبنانيين أقليات.
إن المشروع الموازي للمشروع السوري هو المشروع الأصولي. هذا المشروع الأصولي مزدوج: هناك مشروع شيعي ترعاه إيران ولا يمثل بالضرورة رأي الشيعة اللبنانيين كافة، فهذه الطائفة، المؤمنة بلبنان، لعبت دوراً أساسياً بتركيز كيان لبنان واستقلاله. وهناك مشروع أصولي سني ترعاه منظمات فلسطينية وتنظيمات جهادية متعددة الجنسيات تعطف عليها جزئياً ومرحلياً بعض الدول الخليج العربي ـ الفارسي. ولا يعبر هذا المشروع بالضرورة عن إرادة السنة اللبنانيين الذين يسيرون اليوم في طليعة المناضلين من أجل بناء لبنان الحر السيد المستقل. ولكن المشكلة أن بعض التيارات اللبنانية الإسلامية بمحاولتها استيعاب هاتين الظاهرتين لأسباب داخلية أو إقليمية أو دينية، ولو مرحلياً، سمحت للأصوليتين أن تعززا وجودهما في لبنان. من هنا أرى أن محاولة الطرف السني القيادي، أي "تيار المستقبل"، عن نية طيبة ووطنية استيعاب الحركات الأصولية عبر احتضانها أو مساعداتها بغية ترويضها وتدجينها وإبعادها عن الإرهاب، لم تكن الوسيلة الناجحة والدليل ما نراه في المخيمات وعدد من المدن اللبنانية. وبالمقابل لا أعتقد أن استمرار "حزب الله" بعد تحرير الجنوب في المقاومة كان أيضاً قراراً صائباً. كان على "حزب الله" سنة 2000 أن يتحول من خلال انتصاره إلى حزب سياسي ويعدّل في عقيدته ويدخل في النسيج اللبناني. صحيح أن "حزب الله" جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني ولكنه بحسب عقيدته ونمط حياة قواعده وتسلحه متمايز عن النسيج اللبناني التقليدي والتاريخي. هذا أمر أساسي أقوله بصراحة ومحبة.
· هل صحيح ما يقال في بعض الإعلام أن سورية تسعى إلى تجميع الأصوليين في لبنان لإغراقه في الفتن وعدم قيام دولة مركزية وتكليفها مرة جديدة بإدارة الملف اللبناني?
لا أستبعد أبداً هذا الحلم السوري ولكن أستطيع أن أقول لك الأمور الثلاثة التالية: الأول هو أن الأصولية لن تنتصر في لبنان وإذا انتصرت فيعني أن لبنان سيتقسم. لا توجد طائفة لبنانية أصيلة أكانت شيعية، أم سنية، أم درزية، أم مسيحية، تقبل بتغير نمط حياتها ، وهو نمط ميز وجود هذه الطوائف منذ قرون وقرون. لم يعرف لبنان حتى في عهود الخلافات الإسلامية من الأمويين حتى المماليك حالات أصولية. من هنا فإن الحالة الأصولية لن تنتصر. وأنا أؤمن بانتصار الشعب اللبناني على هذه المحاولات. الأمر الثاني هو أن قيام دولة أصولية في لبنان أو تفشي الأصولية في المجتمع اللبناني يعني أن العدوى ستصل إلى سورية. أفلم يقل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونجله الرئيس بشار من بعده، أن لبنان شعب في دولتين؟ إذن إن ما يصيب اللبنانيين لا بد من أن يصيب السوريين، علماً أن الشعب اللبناني هو شعب مستقل قائم بذاته وليس جزءاً من شعب آخر، كما أن الشعب السوري هو شعب مستقل قائم بذاته وليس جزءاً من شعب آخر. الأمر الثالث هو أن سوريا، ولو أعاد المجتمع الدولي تكليفها بالعودة إلى لبنان وهذا أمر غير وارد، فلن يتمكن النظام السوري من العودة. فسوريا حافظ الأسد التي كلفت سنة 1976 الدخول إلى لبنان لضبط الفلسطينيين واللبنانيين وتهدئة الأوضاع تمريراً للمشروع السلمي الأميركي ـ الإسرائيلي، لم تعد موجودة. يكاد النظام السوري اليوم يضبط أمن دمشق وأمن اللاذقية. وبالتالي لا يستطيع حتى ولو كلف أن يعود إلى لبنان وأن يضبط الأمن فيه. وأعتقد أنه رغم غياب الرئيس حافظ الأسد لا يزال في سوريا آثار ذكائه في شرايين بعض أركان النظام السوري ليعرفوا أن عودتهم إلى لبنان ستكون هذه المرة نهاية النظام السوري لا نهاية لبنان.
********************************************************