كلمة النائب الدكتور فريد الياس الخازن
في جلسة مناقشة البيان الوزاري (حكومة الرئيس السنيورة الثانية)
11/8/2008
انه بيان حكومة في دولة كأنها في طور التأسيس. لا عجب في ذلك بعد المخاض العسير الذي سبق ورافق تشكيل حكومة جامعة انتظرنا ولادَتها قبل ثلاث سنوات, والتي نطمح ان تكون فعلا حكومة الارادة الوطنية الجامعة.
الى اليوم, وللاسف, لم تكن الارادة الوطنية جامعة سوى في الازمات والانقسامات. الازمة السياسية البالغة التعقيد التي مرت بها البلاد انتجت تسوية سياسية تبلورت في اتفاق الدوحه, وهو الاتفاق اللبناني
بيان حكومة الارادة الوطنية الجامعة (واذا شئتم في لبنان وبلاد الانتشار) شيء, وتأليف حكومة شراكة حقيقية, بعيدا عن الاقصاء الانتقائي, وانتظام الحكم وعمل المؤسسات شيء آخر. انه مأزق النظام السياسي في لبنان الذي ما برح يُدهشنا في السراء والضراء: في نجاحاته واخفاقاته, في حركته وجموده, وفي تراجعه وانبعاثه, وفي كل الحالات في تجسيده لهذا النموذج الفريد الى حد الغربة عن الانظمة المتعارف على تصنيفها بالديمقراطية والسلطوية والشمولية. انها الوسطية على الطريقة اللبنانية التي تعكس تركيبة المجتمع اللبناني الموحد والمنقسم في آن وازمة النظام السياسي العاصي على التوصيف. الا اننا سنستمر في سعينا, دولة ومجتمعا, لنستعيد وضعنا الطبيعي ونخرج من واقع مأزوم على رغم كل الاتفاقات, من الطائف والدستور, مرورا بالحوار الوطني واتفاق الدوحه, وصولا الى خطاب القسم والى هذا البيان الوزاري, بعد ثلاثة عقود من التيه.
لا تنقصنا الاتفاقات والمواثيق, بل الشجاعة لوقفة مصارحة مع الذات والارادة بالانتقال من التسويات الظرفية الى الاتفاق حول لبنان الذي نريد باسم شعارات وطنية لاخلاف عليها في الاساس. ولهذه الاسباب سنسعى جاهدين ان نبلور حالة توازن جديدة تأخذ في الاعتبار ما حصل من متغيرات عميقة داخل لبنان, على مستوى النظام السياسي وفي المجتمع, وخارجه, اي في النظام الاقليمي وفي سياسات الدول الكبرى في المنطقة في السنوات الاخيرة.
في لبنان مجتمع مفتوح ونظام ديمقراطي وحريات, الا ان البلاد عرضة للتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية. وعبثا نفعل ما لم نحصّن انفسنا في الداخل وما لم نُخرج لبنان من سياسة المحاور. انه التحدي التاريخي الذي يواجهنا باستمرار, ولا يمكن التصدي له باعلان النيات وباتخاذ المواقف وباعتماد مخارج لغوية أو بالاستعانة بدواوين الشعراء. لنُقرّ بالواقع: لبنان اليوم مغاير في جوانب عديدة عن لبنان في مرحلتي السلم والحرب وما بعد الحرب, ذلك ان المتغيرات هي على مستويات عديدة, نشير الى ابرزها وبايجاز:
- التركيبة السياسية للطوائف تغيرت ولم تعد قائمة على اسس شبيهة بالتي كانت عليه في مراحل سابقة.
- النظام السياسي غير قادر ان يستوعب متغيرات عميقة حصلت داخل لبنان وفي محيطه, كما انه غير قابل للتعديل. هذه المعضلة تتجاوز مسألة الطائفية وكيفية التعامل معها لتأخذ ابعادا اخرى.
- العلاقات اللبنانية