Khazen

ها أنا أرسلكم كالخراف بين الذئاب"

( لو 10: 3).

      يتحدّث السيد المسيح عن موجبات القيام بالرسالة، وهي تفترض، بحسب ما أعطى تلاميذه من تعليمات، الثقة بأن الله هو من يرسل المرسلين، وهو من يزوّدهم الوعي، والجرأة، والحكمة، لقول ما يجب أن يقولوه. وقد نبّههم الى ما سيجدون، لدى القيام برسالتهم، من صعوبات ، وسيلقون ما يلقاه الخراف من الذئاب. أي الاضطهاد، ونكران الجميل، واللامبالاة، أن لم يكن العداوة السافرة. وقد نبّههم الى وجوب الاعتماد على العناية الإلهية في ما يحتاجون اليه من شؤون الدنيا، لذلك قال لهم:" لا تحملوا كيسا، ولا زادا، ولا حذاء، ولا تسلّموا على أحد في الطريق". هذا يعني الاتكال في الحصول على هذه كلها، من متطلّبات الحياة اليومية، على الله وعنايته. ويضيف: اينما اتجهتم نادوا بالسلام. وبعدُ فالفاعل يستحق أجرته.

      وهو يحذّر من الهوس والتطرّف، وهو ويريد في الوقت عينه أن يختبر ايمان الرسل . ومن أراد السلام لسواه، عليه قبل كلّ أن يضع السلام في قلبه. وعسير على الانسان أن يقترب من انسان آخر ان لم يكن السلام في قلبه. ولا يستطيع أحد أن يضع السلام في قلوب الآخرين ان لم يضعه أولا في قلبه.

      واذا أردنا اشاعة السلام في مجتمعنا، كان لزاما علينا أن نضع هذا السلام في قلبنا. ومن كان السلام في قلبه، فلا تخيفه الذئاب.

      وننتقل الى الكلام عن العائلة التي خرجت عن المألوف، والتي بطلت، في زعم بعضهم، أن تكون مؤسسة، كما أرادها الرب، بل أصبحت شواذا تفتقر الى الطمأنية والسلام. والعائلة في مفهومنا التقليدي هي التي أرادها الله مؤلفّة من رجل وامرأة وأولاد، وعلى الوالدين أن يعنيا بتربية أولادهما على مبادئ الدين، والأخلاق السليمة، ليستطيعوا العيش في مجتمعهم في جوّ من الإلفة، والمحبة، والتعاون المخلص، والسلام.

      1– شواذات عائلية

      ان هناك شواذات كثيرة تتعلّق بالعائلة منها أنه هناك، في زعم القائلين، نظرية جديدة، باستطاعة شخصين من نوع واحد أن يقوما مقام الوالدين، عن طريق التبنّي، وهذه نظرية تقول بأن الفرق بين الرجل والمرأة جنسيا لا قيمة له. ويزعمون أن المجمتع هو الذي يعطي كلا من المرأة والرجل دوره في المجتمع، وذلك ليس بفضل الطبيعة، بل بفضل نتاج الثقافة. وهذه الثقافة هي التي تعزو الى كل من الرجل والمرأة ما لهما من دور في المجتمع. وأمّا الثقافات التقليدية القديمة، فقد تخطّاها الزمن، بحسب قولهم، لا بل يجب القضاء عليها، لكونها غالبا ما تسحق المرأة في اطار الزواج التقليدي. وتحرير المرأة، يقتضي، في زعم القائلين بهذه النظرية، ثقافة جديدة تحرّرها من نير الزواج والايلاد. وهذه النظرية تضع في دائرة الجدل العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة ضمن العائلة التي يجب أن يقوم بين أفرادها تضامن وتكافل. وهكذا تتعطّل الأدوار في العائلة القائمة على اختلاف الجنس، وهذا يحمل على تطوير ثقافة عائلية جديدة. وهي ثقافة تفضي الى الاعتراف بدور يقوم به الأشخاص الذين هم من جنس واحد.

وحق التبني يطالب به أشخاص شاذون من جنس واحد، والمبدأ الذي ينطلقون منه للمطالبة بالاعتراف بهؤلاء الناس هو أنهم يشكّلون عائلة، هو مبدأ خاطئ. وهناك دروس قام بها علماء أميركيون يزعمون فيها بأنه لا فرق، من حيث العناية الصحية والعقلية، بين الأولاد الذين ينمون ويكبرون في عائلة تقليدية، والأولاد الذين ينمون ويكبرون في عائلة مؤلّفة من شخصين من جنس واحد. ولكن هذه الدروس المشار اليها لم تثبت أمام الفحص العلمي. ومعظم هذه الدروس تتناول اولادا راشدين. ولكن تركيز الأسئلة يتناول الأشخاص الذين تبنّوا الأولاد، وليس الأولاد أنفسهم. وهذا يشكّل فرقا كبيرا. وهذا التقييم العلمي يجب أن يصدر عن أطباء أخصّائيين. ومثلهم مثل طبيب يسلّم شهادة لولد تفيد أنه باستطاعته أن يمارس الرياضة دون أن يراه ويفحصه فحصا دقيقا، فان هذه الشهادة لا قيمة علمية لها.

      2- الانتساب الى والدين لا يصحّ أن يكون رمزيا

      والانتساب الى والدين لا يكون رمزيا أو عاطفيا، بل طبيعيا بيولوجيا، والعلاقات الجسدية هي أقوى من العلاقات الرمزية والعاطفية. وحتى علاقة التبني لها بعدٌ جسدي. وان بين الايلاد والتبني فرقا، وكذلك ان بين الأبوة بالتبني، والأبوة الطبيعية الجسدية، فرقا. وهناك حالات كثيرة متباينة، كما أن هناك عدة حالات مثلية شاذة. ومؤسسة الزواج هي التي يحاول بعضهم أن ينال منها. وانتساب الولد الى أبويه أللذين أتيا به الى الوجود أمر له أهميّته. ولا مجال الى تعيين الانتساب الى هذين الأبوين، أو تلك العائلة الاّ بالاستناد الى مؤسسة الزواج. والانتساب الى ثقافة معيّنة لا يفي بالمقصود. والمسألة هي مسألة مواصلة الكلام عن الأبوّة والأمومة، وهما كلمتان غير قابلتين للانفصال. وهما لا يشيران فقط الى اختلاف الجنس، بل الى الرباط الذي يقوم بينهما بواسطة مؤسسة الزواج.

      وازاء هذه الشواذات، تعلّم الكنيسة ان الزواج لا يصحّ الا بين رجل وامرأة، وأن التبني ممكن اذا قام به زوجان حُرما نعمة البنين، أو لم يحرماها، وبعد أن يكونا قد قطعا الأمل من الطب بأن يكون لهما أولاد بطريقة طبيعية، وهما يتألّمان من حرمانهما البنين، يستطيعان اذذاك أن يشتركا في صليب المسيح، وهو ينبوع كل خصب روحي، وبامكانهما أن يظهرا سخاءهما بتبنّيهما أولادا لا معيل لهم، وهذه خدمة تجاه الأخرين لا تخلو من صعوبة.1 

      والولد ليس أمرا واجب الأداء، بل هو عطية. " وأسمى هبات الزواج" شخص بشري، ولا يمكن اعتبار الولد شيئا يُمتلك، وهذا ما يفضي اليه الأقرار "بحق الولد"، وهو حق مزعوم. وفي هذا المجال، ان الولد وحده يملك حقوقا أصيلة : الحق في أن " يكون ثمرة الفعل الخاص بحب والديه الزواجي، والحق في أن يحترم كشخص منذ لحظة الحبل به"2.

      أيها الأخوة والأبناء الأعزاء،

      شؤون العائلة شؤون لها طابع مقدس في نظر المسيحيين. وان ما طرأ عليها من تغيير أتت به انحرافات لا تقرّها الكنيسة، ولا تسمح بها، لأنها تزعزع قواعد المجتمع البشري. وكلّ انحراف مدعاةُ قلق واضطراب.

      وان البيان الذي أصدرناه نحن واخواننا أصحاب السيادة السامي احترامهم في اجتماعنا الشهري يوم الأربعاء الماضي، أراد بعضهم أن يعطيه أبعادا لم نحملّه اياها، ولا رأيناها فيه. وقد أردنا أن نسترعي انتباه المسؤولين الى تعيينات في سلك الدرك دون مباريات، والى بيع أراضٍ لبنانية من غير لبنانيين، والى ما في مشروع قانون " عهد حقوق الطفل في الاسلام" من محاذير، وذكّرنا بما ورد في هذا المجال في المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي تقول باحترام جميع الأديان. ولم نرد أن نذهب أبعد من ذلك حرصا منا على سمعة البلد وأهليه، وبخاصة المسؤولين من بينهم.

      واذا كان بعضهم، من هذه الجهة أو تلك، بادر الى استغلال هذا البيان لأغراض سياسية، فاننا نأسف لذلك بالغ الأسف، ونؤكّد انه استغلال لا شأن لنا به. وهذا يدلّ على ان كثيرا من اللبنانيين الذين يتعاطون الشأن العام، أصبحوا، للأسف الشديد، لا يرون الا غاياتهم الخاصة، ومآربهم الشخصية أو الفئوية. وهذا يعطّل الرؤية الصافية لشؤون البلد بمجملها. وباتوا يرون الناس فئتين لا ثالث لها، امّا أن يكونوا معهم، واما أن يكونوا ضدّهم. ولا مجال، في تفكيرهم، الى النظر الى فئة محايدة لا تتوخّى الاّ خير الوطن العام بمعزل عن أية فئة من الفئتين. وهذا قول لم يجرؤ عليه الاّ السيد المسيح الذي قال : "من لم يكن معي كان عليّ"3. أما نحن في النهاية في هذه أو تلك من الفئتين، بقدر ما تأتي للبلد بالفائدة، والنفع، والخير. ونؤيّد كل مسعى فيه فائدة للبنان .

      وانه من المؤسف حقا أن نسمع ما نسمع من تحدّيات من هذه الجهة أو تلك الجهة، حتى ليظّن السامع أن الحرب الأهلية لا محالة واقعة، وأن لبنان لم يعد ذاك البلد المضياف الذي تعوّد أهلوه أن يستقبلوا، على الرحب والسعة، زوّاره الذين يأتونه، من كل الشعوب شرقا وغربا، ليجدوا الراحة في ربوعه، والطمأنينة في أرجائه، ويستردّوا العافية من هوائه المنعش، وينابيعه الرقراقة، ومناظره الخلاّبة.

      ليتنا نستعيد صفاء الرؤية، وسلامة النظرة، ليصحّ فينا قول الشاعر: كن جميلا ترَ الوجود جميلا.

      بكركي في 8- تموز 2007

      

1 تعليم الكنيسة الكاثوليكية عد 2379

2 المكان ذاته عد 2378