Khazen

 

نـهـضـة الكـنـيسـة المارونية أعـطيـت لـه

نشر هذا المقال في مجلة المسيرة في 25 آذار 2011 بمناسبة تنصيب البطريرك الراعي

 

سجعان القزي

نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية

 

في الخامس والعشرين من آذار 2011 بدأ عهد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، لا عهد البطريركية المارونية الموجودة منذ نحو 1325 سنة. إنه أولُ بطريرك على كنيسة لبنان وإنطاكية وسائر المشرق في القرن الواحد والعشرين (الشعبُ الجالسُ في ظلمة أبصر نوراً عظيماً).

التحدي عظيمٌ والمسؤولية أعظم. ما هَمّ: إنْ كان البطريرك الراعي يتمتّع بصفاتٍ ذاتية مـيّـزته لبلوغ سُـدَّة البطريركية، فما أن يستويَ بطريركٌ على عرش "مجد لبنان أُعطي له"، حتى تهبطَ عليه أيضاً نِعمُ الوقارِ والمهابة، الرصانةِ والثبات، التقوى والعفة، الشموخِ والعزة، الكِـبَرِ والتواضع، والحنانِ والرأفة. تـنـدُر كلماتُـه وتكـثُر أفعالُه. يَـثـقُب بنظراته، فلا يبخُل بابتساماته ولا يبذَخ بضِحكاته. برَكةُ يده لا تُـغني عن تحذير إصبعه، فعصاه متعددةُ الاستعمال. في شخصيته يَسكن أملُ الميلاد وألـمُ الجلجلة وعذابُ الصليب ورجاءُ القيامة. على جَبهته يَرتسمُ وادي العاصي وجبلُ لبنان ولبنانُ وإنطاكية وسائرُ المشرق. وعلى محـيّـاه يَلوح طيفُ مار مارون والقديسِين شربل ورفقا والحرديني والطوباويَين نعمه والكبوشي (فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل).

لست واعظاً لأرشُدَ البطريرك الجديد إلى ما عليه أن يفعل، فله عينان تَريان. لكني ابنُ الكنيسة وواجبي أن أنقلَ إليه تمنياتي، وللبطريرك أذنان تُصغيان. أنا من يحتاج إلى توجيهِه ونُصحِه وصلاته وبركته.

غِبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أمضى ربعَ قرنٍ أُسقفاً يشارك البطريركَ صفير في إدارةِ شؤون الكنيسة المارونية ورسمِ سياستِها وتحضيرِ قراراتِها وإعلان مواقِفها. ويعرِف نقاطَ قوّةِ الكنيسة المارونية وضعفِها، ويستطيع تحديدَ الأولويات ووضعَ خريطةِ طريق نحو التاريخ المستقبلي.

من هذه الفرضية أرى البطريركَ الراعي يَطرد اللصوص والباعةَ من الهيكل، ويَنهي المرائين و"الكتبةَ" عن تَسلّقِ درَج بكركي (بيتي بيت الصلاة يُدعى). أراه يحرِّم على مُـدَّعِـيِ الأدوار ومختلِقي المهمّـات ومُنتَحِلي الصفات التحدّثَ باسم البطريركية، ويَفصُل بين أمنِ بكركي والتنصّتِ عليها (اذهبوا عني يا فاعلي الإثم). أراه يُشذِّب أغصانَ بكركي من الأحمالِ الثقيلة فـتُورِف، ومن النوافلِ فـتُـثمر (كل غرسٍ لم يزرعْه أبي السموي يُقلع). أرى البطريركَ الراعي يبحث عن النعاجِ الضائعةِ ليعيدَها إلى خطِّ بكركي المستقيم (إذا وجدَها يضعَها على مِنكَـبَـيْـه فرِحاً).

لا يحبُّ البطريرك الراعي بَخّورَ المدّاحين ولا ثرثرة المتزلّفين. لا يتحـمّـل حاشيةً تستظل جُـبَّـته وتستغلُّ موقعه (يُكـرَّمني هذا الشعبُ، وقلـبُـه مني بعيد). لا يحبّ البطريرك الراعي المؤسساتِ التي أُنشئت لتكونَ امتداداً عَلمانياً لبكركي ودرعَها في المجتمع المدني، فتختفي وتربُط ألسنتها حين تتعرّض بكركي لهجومٍ ظالم وتطاول معيب، فـيَـهُبّ هو، وكان بعدُ أسقفاً، يردّ التحدي. أما، وقد أصبح بطريركاً، فيفضّل، على كل هؤلاء، فريقَ عملٍ ديني ـ عَلماني، من الرجال والنساء، يساعده على إكمال مسيرة ِنقلِ البطريركية إلى القرن الواحد والعشرين من دون أن تَتخلّى عن ثوابتِ القرن الرابع. فريق العمل الذي يَرغب به البطريرك الراعي شأنه أن يضم نخبةً زاهدةً، متجرِّدةً، نزيهةً، كفؤةً، مخلِصةً، نقـيَّـةً، شجاعةً، عميقةَ التفكير، عمليةَ الأداء، تقف إلى جانبِ غِبطته وتعمَل تحت إشرافه من أجلِ خيرِ الكنيسةِ والمؤمنين والإنسان (من أراد السيرَ ورائي فليَرغَب عن ذاته ويحمِل صليبَه ويَتبعْني).

وفي الأساس توجد في مكاتبِ بكركي وغرفِها تُخمة دراساتٍ ومشاريعَ راكدةٍ، منذ عقود، على رجاء القيامة. وما أن يَقيمها البطريرك الراعي، حتى تُقرع أجراسُ نجاحه بعد أجراسِ انتخابه.

إنَّ أحدَ تحديات البطريركِ الجديد هي أن يجعلَ الموارنةَ، بل المسيحيين، يُحـبّونَـه ويَطمئـنّون إليه ويَلتفّون حولَه. فالالتفافُ الاستثنائيُّ حول البطريركِ صفير حصل بفضلِ الدورِ الذي لعبَه في مرحلةِ الاحتلالِ السوري، حين كان ملاذَ المضطهَدين ورائدَ التحرير، لا لكونِه، فقط، مرجِعيةً روحيةً عليا للموارنة في لبنان والعالم. وأخالُ البطريرك بشارة الراعي يملِك موهبةَ جذب الرأي العام. فمَن كان مطرانَ الأملِ في زمنِ الإحباط يُمكن أن يكونَ بطريركَ التوحيدِ في زمن الانقسام، والاستقرارِ في زمن الاضطراب، والتواصلِ في زمن القطيعة. حَذارِ أن يَطلب أحدُنا من البطريرك الجديد أن يَتشبّـهَ بالبطريركِ السابق أو أن يَنـقُـضَه. لا شيءَ أسوأَ من التماثلِ لكسبِ الودّ، ومن النقضِ للتمايز. يكفي البطريركُ الراعي أن يكون نفسَه ويَتبعَ نهجَ البطريركيةِ التاريخي بأسلوبه الحديثِ ليربحَ الرهان.

قد يعتقد الناس أن ظروفَ انتخابِ البطريرك الراعي أفضلُ من تلك التي رافقت انتخاب البطريرك صفير. لكن الحقيقةَ مختلفةٌ عن الانطباع: حين تسلّم البطريركُ صفير مسؤولياتِه كان لبنان مضطرِباً والشرقُ الأوسطُ هادئاً، أما اليوم، فلبنانُ والشرقُ الأوسط مضطربان ويواجِهان مشاريعَ تغييرِ الأنظمة والكِيانات والهويّـات. حين تسلّم البطريركُ صفير مسؤولياتِه كان الموارنةُ في لبنان فقط يتقاتلون وينهزِمون، أما اليوم، فمصيرُ كل مسيحيّـي الشرقِ مهدّدٌ بالتلاشي نتيجةَ ثورةٍ من هنا، وحربٍ من هناك، واضطهادٍ من هنالك (الذي يصُبر إلى المُنتهى يَخلُص).

صحيحٌ إنَّ بطريركُ الموارنة هو بطريركُ لبنان وإنطاكية وسائرِ المشرق، لكن لا الموارنةُ مرتاحون إلى وضعهم، ولا لبنانُ مطمئنٌ إلى وِحدته، ولا إنطاكية موجودةٌ، ولا سائرُ المشرقِ معلومُ المصير. وكأن مهمةَ البطريرك الراعي أن يحوّلَ رمزيةَ التسميةِ حقيقةً، فـيُحيي التاريخَ والجغرافيا والإنسان معاً.

ومنذ الآن أُنبئُكم: قريباً سيجدُ البطريركُ الراعي نفسَه ثلاثةَ بطاركةٍ في واحد: سيكون أمامَ التحدّي الذي واجهَه البطريركُ الياس الحويك سنة 1920 حِيال خِيارِ دولةِ لبنان الكبير. وأمام التحدّي الذي واجهَه البطريركُ أنطوان عريضة سنة 1943 حِيال خِيار الاستقلالِ لا الانتداب. وأمام التحدي الذي واجهَه البطريركُ نصرالله صفير طَوال ولايته حِيال خيار السيادة والحرية. إن الصراعَ في لبنان الآن ليس بين كِتلتين نيابيتين، بل بين مِحوريين لهما امتداداتُهما الخارجية. ولا يجوز تركُ القرارِ للسياسيّين وحدَهم (الحقَّ أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم)

كلُّ خِيار يُقدِم عليه سيدُنا البطريرك يحمِل في طياتِه مخاطر، لكن الوقت حان ليـتَّـخذَ الموارنةُ، من خلال كرسيهم البطريركي، القراراتِ الصعبة. فإما أن ينخرطَ كلُّ اللبنانيين في دولةٍ واحدةٍ مستقلةٍ، محايدةٍ، مدنيةٍ، مسالِمةٍ، ويَفسَخوا عقودَهم مع الخارج (وهذا هو الخِيار الأصح والأحب)، وإما سيُضطر المسيحيون إلى مطالبةِ الأمم المتحدة برعاية تنظيم الكيان اللبناني الواحد بشكلٍ اتحاديّ، فتقرر فيه كلُّ جماعةٍ مصيرَها وتحافظُ على خصوصياتِها (ما لقيصر لقيصر وما لله لله). انتهى عصرُ السُخرة. منذ بدايةِ القرنِ العشرين اختار الموارنةُ مصلحةَ لبنان أولاً. ومنذ 1600 سنة وَضع الموارنةُ كل نضالِهم وانتصاراتِهم وصداقاتِهم في تصرُّف مشروعٍ لبناني جامع. فدفعوا الثمن في كل منعطفٍ تاريخي. صحيحُ أن الصليبَ رمزُنا لكنه ليس قدرَنا.

قدرُنا أن نبقى هنا نجدّد العهدَ ونبنيَ المجد. قدرُنا أن نبتدِعَ الحلولَ من الأزمات وتوازنَ الوجودِ من المعادلات. وفي هذا السياق، حَريّ بالموارنة، شعباً وقادة، أن يُعينوا البطريركَ الجديد على صوغِ سبع معادلات للزمن الآتي:

·  الأولى هي التمييزُ بين الحِرص الطبيعي على الصيغة اللبنانية الميثاقية من جهة، والقلقِ من انحسار الوجودِ الماروني الديمغرافي والدورِ الماروني السياسي في لبنان من جهة أخرى. فكل التعديلات الدستورية التي أُدخلت على الميثاق الوطني منذ سنة 1943 إلى اليوم حصلت على حساب المسيحيين، وبخاصة الموارنة، وثَـبَّـتت معادلةَ الغالب والمغلوب، لا معادلة اللا غالب واللا مغلوب كما يُشاع للتعزية (ليس بالصيغة وحدها يحيا المسيحيون).

·  الثانيةُ هي التوفيق بين المارونيةِ المشرقية المتجذِّرة في الأرضِ الأم، والمارونيةِ العالمية المندمِجة في محيطِها الاغترابي؛ فلا تَقضي العولمةُ على الخصوصيّةِ المارونيةِ المتجسِّدةِ في بكركي دون سواها. هي المآثرُ وغيرُها الآثار.

·     الثالثة هي الملاءمةُ بين الحركةِ العَلمانية المسيحية الجارفةِ في الغرب، وحركةِ التطرّفِ الديني الإسلامي الجارف في الشرق.

·  الرابعة هي المواءمةُ بين محافظةِ بكركي على العصبِ الماروني، بل المسيحي عموماً، وتعزيزِ التمسّكِ بالقيم الروحيةِ في لبنان والشرق من جهة، ومواكبةِ مسيرةِ علمنةِ الدولة في حالِ توافرت ظروفُ تحقيقها يوماً ما.

·  الخامسةُ هي التناغمُ بين دورِ بكركي الديني ودورِها الوطني، فلا يعيشُ الموارنةُ ازدواجيةَ الولاءِ والقرارِ والموقفِ بين بكركي، مرجِعيتِهم الأسمى والأبقى، وبين مؤسساتِهم السياسية، وقد ناضلت وقدّمت ألوفَ الشهداء في سبيل الكنيسة ولبنان.

·  السادسةُ هي التكاملُ المفترضُ بين البطريركِ الماروني ورئيس الجمهورية الماروني. فإذا كان الفصلُ بين المرجِعيتين ضرورياً بحكم شموليةِ موقعِ رئاسةِ الجمهورية، فحقُّ البطريرك أن يوسِّعَ مساحةَ دورِه كلما ضاقت صلاحياتُ رئيس الجمهورية. وحقُّـه أيضاً أن يَهديَ كلَّ رئيسٍ يَحيد عن الثوابتِ المارونية، وهي ثوابتُ لبنانية جامعة.

·  والسابعة هي التوازنُ في العلاقةِ بين الكنيسة المارونية (البطريركية والرهبانيات) والفاتيكان، فلا تتحوّل الشَراكةُ اللاهوتيةُ مع الفاتيكان تبعيةً إداريةً مطلقة، فـتُجيز دوائرُ روما لنفسها تحديدَ سياسةِ الموارنةِ وتوجُّهاتِهم في لبنان والشرق. إن ميزةَ الكنيسةِ المارونيةِ هي خصوصيتُها واستقلالِها الذاني. إن كان الخضوعُ لسلطةِ البابا، ثابتةً لدينا، فسياسةُ الطائفةِ وتحالفاتُها الداخلية وانفتاحُها المشرقي يَرسمها الموارنةُ كنيسةً وقادة وشعباً. نحن مستعدون للأخذِ برأي الفاتيكان، لكن على الفاتيكان أن يسمعَ رأينَا ويتفهمَ مواقفنا أيضاً.

إن شكّلت هذه المعادلات ـ التحديات مادةَ تفكيرٍ للبطريرك الماروني في لبنان وإنطاكية وسائر المشرق، يبقى تحديثُ الكنيسةِ الأساسَ في المرحلةِ المباشرة، وهو مِعيارٌ مركزيٌّ لتقييمِ أداءِ البطريرك الجديد. فالمارونيةُ الوطنيةُ تستعيد دورَها الفاعلَ في لبنان من خلال نهضةِ مؤسسةِ الكنيسةِ المارونية، ما دام تحديثُ المؤسساتِ السياسيةِ المسيحيةِ لا يزال مسألةً فيها نظر.

من أبسطِ الأمور أن يكونَ لنا بطريركٌ، لكننا نريدُ بطريركيةً، لا بالمعنى الروحيِّ والمعنوي والزمني والجغرافي والمرجِعي، فهذا تحصيلٌ حاصل. بل بالمفهومِ المؤسساتي، فتُنشَئُ إداراتٌ متخصصةٌ ونزيهة، يَشغَلها مسؤولون روحيون أو مدنيون، فلا تبقى البطريركية ديراً فوق الأديرة، بل تصبح حاضرةً قادرةً على معالجةِ شؤون الموارنة. وفي هذا الإطارِ إن تطويرَ لجنةِ الدراسات أمرٌ ملِحٌّ بحيث تكون بكركي مرجِعيةً فكريةً للكتّاب والباحثين والمؤرخين ومَنهَلَ معرفةٍ للمؤمنين.

يُفترض بالكنيسة المارونية أن تكون أكثرَ كنيسةٍ مسيحية في الشرق تطوراً من ناحية التنظيمِ والهيكليةِ لأنها تلعبُ دوراً سياسياً خاصاً في لبنان والشرقِ الأوسط وبلادِ الاغتراب؛ ولأنها تواجه تحدياتٍ عديدة، ولأن هيئاتِها السياسيةَ والحزبيةَ تعيش حالاتِ انقسامٍ مزمنة. إن الكنيسةَ المارونية غنيةٌ بالعلماء والمفكرين والباحثين. فحين كان الشرق أمّـياً، كان الموارنةُ يكتبون ويَطبعون (مطبعة مار أنطونيوس قزحيا في وادي قنّوبين سنة 1610) ويترجمون ويعلّمون ويؤسّسون المدارسَ هنا وفي العالم (تأسست المدرسة المارونية في روما في 5 تموز 1584). إن الكنيسةَ المارونيةَ هي من أولى الكنائس الشرقية التي انفتحت على الفاتيكان وشارك رجالٌ منها في وضع إصلاحاتِ المجامع الفاتيكانية.

وإني لواثقٌ بأن البطريركَ الجديد سيبادر إلى معالجةِ القضايا المارونية الملحِّة، فيصحِّحُ اعوجاجَ الحالةِ المارونية في لبنان واستضعافَ دورِها والتطاولَ على خصوصيتِها الوطنية التاريخية، كما سيُـعنى بالشأنِ الإكليريكي الذي يشهد تراجعَ الدعوات الكهنوتية، وانفتاحاً رهبانياً مسرِفاً على الحياة الاجتماعية، وانتشاراً غيرَ منضبطٍ لمعاهد التعليمِ العالي ما يؤثر على أهدافِ إنشاء هذه المعاهد ورسالتِها. كما أنه سيعكِف على تنقيةِ الهرميةِ الكنسية من دون فضائح (إني أريد رحمةً لا ذبيحة).

لقد أطلق البطريرك مار نصرالله صفير أفكارَ التجديدِ مع مشاريعَ محدودة. المطلوبُ اليوم أفكارٌ أقل ومشاريعُ أكثر. وأهمّ عنصر هو توفيرُ الظروفِ المادية والسكنيةِ لتكثيفِ الإنجاب من أجل أن يستعيدَ الموارنةُ نسبةً عدديةً محترمة لأن المناصفةَ، مع كلِّ صدقِ المسلمين الذين يَتمسكون بها، ليست أبدية. والعنصرُ المهم الآخر هو العملُ على إعادةِ نصفِ مليون لبناني مغتربٍ على مدى عشر سنوات. وجوهرُ دورِ أبرشياتنا المارونية في المهاجر ليس خِدمةَ المهاجرين الموارنة إنما تحضيرُ عودتِهم. ليست أبرشياتُنا جهازَ تبشيرٍ بالعودة إلى الدين فقط بل بالعودةِ إلى لبنان. ومعيارُ الحكم على ممـثِّـلي الكنيسةِ المارونية في الاغتراب ليس عددَ الموارنةِ الذين يُعمِّدونهم، ولا عددَ القداديس التي يُحيونها فقط، بل عددُ الموارنةِ الذين يُعيدونهم إلى لبنان. ليست المارونيةُ بخطرٍ في أوستراليا والبرازيل وأميركا الشمالية بل في لبنان والشرق الأوسط. وفي هذا الإطار لا بدّ من أن يسعى البطريركُ الجديد لدى الدولة اللبنانية من أجل إعادة تجنيس اللبنانيين المغتربين بمرسوم، لأن المغتربين من الجيل الثاني وما بعدَه لا يستطيعون الحصولَ على الأوراقِ الثبوتية كافة.

هكذا نحافظ على التأثير الماروني الفكري، الثقافي، الحضاري، والروحي في الحياة العامة. وهذا التأثيرُ هو القيمةُ الأساسية، لا المضافة، للموارنةِ في لبنان. إنه وزنٌ بل وزَناتُ الكنيسة المارونية.