بطولة طانيوس شاهين
س- هل ان طانيوس شاهين كان حقيقة بطلاً ؟
ج- يدعي اصحاب بعثة ريفون واخصهم شميعه والقوال سابا ان شاهين كان بطلاً لم يظهر على الارض بطل مثله لكنهم لم يقولوا لنا ما هي اعمال بطولته سوى انه استولى على اغلال المشائخ وقتل بنت وأمها بجباية رجال تركيا.
ان القواميس حددت البطل انه ذاك الشخص الذي يقتحم الاخطار بدون خوف ولا يتراجع في المعركة ولو اصيب بالجراح او سقط فيها بعض اعوانه. فليدلنا المعجبو ببطولته اين رأوا افعاله البطولية فقد صار واضحاً وضوح النهار ان رجال الدولة التركية هم الذين دفعوه لجميع اعمال العنف لاجل تحقيق مقاصدهم الرديئة ضد لبنان، وهم الذين دفعوه اليها وهم الذين حموه وطمأنوا من اي أذى يلحق به كما اقر بذلك هو ذاته لصاحب تاريخ المقاطعة الكسروانية. واما هو فاذا كان مطبوعاً على الشر ( قضية لبنان ص 347 ) انقاذ لرغبتهم ولو كان فيها خراب بلاده. فلم تكن اعمال التخريب والظلم والنهب والتعدي والقتل التي اجراها في كسروان اعمالاً بطولية بل اعمالاً شريرة مضرة بمصلحة البلاد بجميع من فيه، ولا تدل الا على الرداء والشر والطمع والخيانة.
مرة واحدة دخل شاهين موقعة كانت تقتضي اظهار شجاعته وبطولته وقد تكفي لاعلانه بطلاً، تلك الموقعة هي التي ” تعقبه فيها يوسف بك كرم في محيطه وعقر داره وفي قلب منطقته، كرم الذي لمثله يحق لقب الابطال، فماذا كان موقف شاهين في تلك الموقعة، ومن حوله طابور من زلمه مسلحين بالبنادق. لما اطل عليهم كرم ذعروا واطلقوا عليه الرصاص من وراء الصخور العالية، فلم يحفل وظل متتبعاً لهم، وعندما اصيب احد اتباعه عند ذلك تبين كيف يكون البطل فان كرم قفز عن ظهر جواده ونادى اعوانه قائلاً : عليهم بالعصي فان العصا هي لمثل هؤلاء الاوباش يعني انه هو احتقرهم وعدّهم كلاباً وهجم مقابلاً رجالهم بصدره وعصاه متسلقاً الصخور بخفة الغزلان ورجاله تتبعه دون ان يفكروا بمبادلة الطلقات النارية بمثلها، واستولوا على القرية التي اخلاها الاخصام بسرعة، لان زعيمهم طانيوس شاهين كان السباق بين الفارين، ووقع البعض في ايدي رجال كرم فلم يمسوهم بأذى عملاً بأوامر كرم القاطعة واكتفوا بالقبض عليهم. تلك هي شيم النفوس الشريفة وتلك هي البطولة قابل بين هذه الاعمال النبيلة وعمل طانيوس شاهين في عجلتون.
ما جاء عن الثورة في المقاطعة الكسروانية
لما يئس القائمقام الأمير بشير احمد من الرجوع الى وظيفته استشار محازبيه واولهم الياس المنيّر من ذوق مصبح واستقر الرأي على تهييج اهالي كسروان ضد المشايخ بقصد رفض تسليط عموم المشايخ وحصر السلطة في واحد منهم لا غير (مطلب عادل وحق) فحسن الأمر للعموم ولاقى تأييداً كبيراً وانحاز اليه البعض من ريفون وعشقوت والقليعات ومزرعة كفردبيان والذوق وغيرهم من قرى كسروان الجنوبية كل ذلك عن حسن نية وجعلوا لكل قرية وكيلاً سموّه شيخ شباب ، وجعلوا صالح جرجس صفير من عجلتون رئيساً اعلى عليهم فكان شيوخ القرى يعطونه التعليمات عن كل ما يحدث عندهم وكان هو يوصلها الى المنيّر وهذا بدوره ينقلها الى القائمقام في بيروت.
ثورة أهالي كسروان على المشايخ الخوازنة وأسبابها.
بدأت الثورة سنة 1858 في أواخرها، أما أسبابها فمنها أولية ومنها ثانوية، ونظرا" الى الأسباب الأولية يعتقد البعض أنّ الذين قاموا بثورة كسروان سنة 1858 ضد الخازنيين إنما هم أهالي كسروان جميعهم، وهذا إعتقاد مغلوط لا يمت الى الحقيقة بشيء. فإنّ أهالي كسروان عموماً بالرغم من كلّ شواذات كانوا يطالبون بإزالتها لم يفكّروا يوماً بعمل ثورة و لا تغيير حكم الخازنيين، ولكن قصد الثورة تكون عند عمال تركيا دون سواهم، وغايتهم أن تتاح لهم ذريعة لبسط سلطتهم على لبنان من جديد بعدما قصرتها عنه دول أوروبا لصالح المسيحيين المضطهدين أيما إضطهاد. فإنّ الأمير بشير أحمد قائمقام المسيحيين كان مكروهاً من عموم الأهالي، فتألّفت ضدّه جمعيات في قرى كسروان كان الخازنيون ذاتهم يشجعونها عليه لأنهم كانوا على خصام شديد معه، وهنا وجد الأتراك منفذاً لإتمام رغائبهم فتداخلوا مع الجمعيات وأضافوا الى غايتها المطالبة بإلغاء الشواذات التي كان الشعب يتذمّر منها، وأخصّها توحيد السلطة في شخص واحد من الخازنيين وأن لا يكون كل فرد منهم حاكماً، فاجتمع الأمير مجيد بأحلافه، وأقرّ رأيهم على تهييج وتحزيب أهالي كسروان واستوثقوا أولاً برجل ملكي يسمّى الياس المنيّر من ذوق مكايل، وكلّف ببث هذا المبدأ فاندفع وراح يساورالأهالي ويقول:"نحن في كسروان مستعبدون لكامل عائلة كثيرة العدد ومختلفة الأطباع، ولكلّ من أفرادها السلطة والسيادة التي لآل الخازن علينا، فعلينا أن نطلب الإقالة من هذه، وتجاهر برفض تسلّط عموم المشايخ علينا، وأن يكون لواحد منهم فقط تولّي الأحكام، (المقاطعة الكسروانية ص 268 )، تلك هي الحيلة التي اختبأ وراءها موقدو الثورة من الأتراك ورجالهم أي توحيد الحكم في واحد من بني الخازن، ولولا هذه الحيلة لما مشى في الثورة غير أفراد قليلين إنغروا بامتلاك ثروة بيت الخازن "فأهالي كسروان الشمالي لما تأكّدوا مقاصد القائمين بالثورة لزموا الحياد ولم يشاركوا أصحاب العدوان على إلحاق الضرر بالمشايخ، لا بل أخذوا جانب الدفاع عنهم بقدر ما سنحت لهم الفرصة" (المقاطعة الكسروانية ص 277 ) وجميع الذين ساروا بالثورة كانوا إمّا مخدوعين بهدفها أم طامعين بالثروة من ورائها، حتى أنّ الياس المنيّر ذاته أكبر نافخ في بوقها، لم يكن إندفاعه لإضرام نارها إلاّ أمله بالحصول على جائزة عظيمة من جانب الأمير بشير أحمد (المقاطعة الكسروانية ص 272 )، فتألّفت الجمعيات وكان في عداد إقرارها في البداية كثيرون من المعتدلين وأصحاب الرأي القويم، وجرى إنتخاب رؤساء الجمعيات وكان أكثرهم من ذوي الأخلاق الشريفة والمنطق القويم واجتمعوا وأقاموا عليهم رئيساً أعلى وهو صالح جريس صفير من عجلتون، رجل متفقه عادل ومعروف بأنه من أصحاب الآراء المستقيمة. ولكن مقصد الحكومة التركية الذي هو ايقاد الثورة لم يتأخّر أن انكشف وتبين ما تنطوي عليه نياتها من تأليف الجمعيات ممّا لا يروق لعموم الكسروانيين و لا للمعتدلين من أعضاء الجمعيات ورؤسائها فإستقال هؤلاء ولزموا بيوتهم مثل حبيب الجاماتي وسمعان أبي حيدر من ذوق مكايل وكذلك إستقال الرئيس الأعلى صالح جريس وبقي أصحاب الشغب فانفسح لهم المجال وتغلب رأيهم وانتخبوا لهم رئيساً أعلى رجلاً بيطارا"ً من ريفون يدعى طانيوس شاهين فجاء وطبّق مرامهم وتعهد لهم أنّه يريحهم من جميع بني الخازن وعند ذلك يتملكون جميع أراضي كسروان ويصبحون بين ليلة وضحاها من الأثرياء ويعيشون بالسعة والرغد بدلا" من عيشة المعول. وماذا يقتضي لتهويش أصحاب الأطماع. أما الأسباب الثانوية فهي: أولاً