سجعان قزي
انتهَت الـمُهلةُ الدُستوريّةُ لانتخابِ رئيسِ الجُمهوريّةِ اللبنانيّة، وبدأت الـمُهلةُ السياسيّةُ. الـمُهلةُ الأولى كانت مُحدَّدةً بشهرين، أما الأُخرى فمفتوحةٌ إلى ما شاءَ القَدَر. والقدرُ في لبنان هو التعبيرُ المرادِفُ لقِلّةِ الوطنيّةِ والمسؤوليّة. الـمُهلةُ الدُستوريّةُ كانت محصورةً ـــ مبدئيًّا ـــ بقرارِ الكتلِ النيابيّةِ: يَنتخِبون أو لا يَنتخبون رئيسًا صُنِع في لبنان. الـمُهلةُ السياسيّةُ تَستأثر بها، علاوةً على الأطرافِ الداخليّةِ، المحاورُ الإقليميّةُ والدُوَليّةُ، وتَرتَبطُ بأصغرِ حدثٍ في الـمِنطقةِ إلى أكبرِ صراعٍ دُوَليٍّ. اليومَ لبنان دولةٌ بلا دستور. يُدارُ مِزاجيًّا. هذه نهايةُ دولةٍ ما لم تُنقَذ سريعًا. وإذا كان الإنقاذُ متوافِرًا، المؤسفُ أن الحوارَ بين القوى اللبنانيّةِ الأساسيّةِ هو “أكذوبةٌ سياسيّة”. الحوارُ إرادةٌ قبلَ أن يكونَ جدولَ أعمال. في لبنان الإرادةُ غائبةٌ وجدولُ الأعمال مُختلَفٌ عليه. منذ ثلاثةِ أيّامٍ (14 ت2)، بفضلِ إرادةِ الاتفاق، تَوَصّل الرئيسان الأميركيُّ والصينيُّ إلى معالجةِ أصعبِ المشاكلِ السياسيّةِ والعسكريّةِ والاقتصاديّةِ بينهما في ثلاثِ ساعات.
سابقًا كان يَتعذَّرُ تقسيمُ لبنان حتّى لـمّا كان “مُقسّمًا”. اليومَ، صار يَصعُبُ توحيدُه حتى لو كان بعدُ “موحَّدًا”. تَعذُّرُ التقسيمِ قديمًا كان بفَضلِ وجودِ مشروعٍ لبنانيٍّ واحدٍ وحياةٍ لبنانيّةٍ واحدةٍ تُؤالِفُ بين جميعِ الطوائف ولو مع مطالباتٍ بتعديلاتٍ دستوريّة (الطائف). أما صعوبةُ توحيدِ لبنان اليومَ فبِسببِ نموِّ مشاريعَ غيرِ لبنانيّةٍ وانتشارِ نَمطِ حياةٍ غيرِ لبنانيٍّ حتى داخلَ كلِّ طائفة. افترق الإنسانُ ولو بَقيت الأرضُ 10452 كلم². الإشكاليّةُ الآن كيف نُحافظُ على وِحدةِ لبنان الكيانيّةِ مع إعادة التقسيماتِ المناطقيّةِ في إطارِ لامركزيّةٍ موسَّعةٍ. لا يُجدي التَعنّتُ والتَنكُّرُ للتحوّلاتِ التي طرأت على البُنيةِ البشريّةِ والمجتمعيّة اللبنانيّة. في حياةِ الأممِ تَنتهي مراحلُ لتبدأَ أخرى جديدة، ومختلفةٌ أحيانًا. بين 1798 و1958 غَيّرت فرنسا ستّةَ عشرَ نظامًا بين ملكيٍّ وإمبراطوريٍّ وجُمهوريّ. وكان أبرزُها الملَكيّةَ المطلَقة والملكيّاتِ الدُستوريّةَ والإمبراطوريّاتِ، فالجُمهورياتِ الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة مع الجنرال شارل ديغول سنة 1958. كانت التغييراتُ الدُستوريّةُ حاجةً أدّت إلى تَقدّمِ فرنسا ولو بالأوجاعِ والدماء.