سجعان قزي
@AzziSejean
يَترُك لبنانُ، الذي لم يَعُد يَجدُ حلًّا لأيِّ مشكلةٍ صغيرةٍ أو كبيرة، انطباعًا أنَّ حلَّ قضيَّتِه هو بـــــ”حَلِّ البلد”، أو بانتصارِ فريقٍ على فريقٍ آخَر. لكن هذا الأمرَ مُستَهجَنٌ ميثاقــيًّا حتّى لو توفَّرت ظروفُه سياسيًّا وعسكريًّا مع تطوّرِ موازينِ القِوى وانقلابٍ في المحاورِ الإقليميّةِ والدُوَليّة. غيرَ أنَّ مفاعيلَ انتصارِ أيِّ فريقٍ في لبنان لا يَعني تطبيقَ مشروعِ المنتصِر، ولا يُلزِمُ طويلًا الفريقَ الآخَر المنهزِمَ لأنَّ الانتصاراتِ بين أبناءِ الوطنِ تتلاشى تدريجًا بفعلِ سوءِ التطبيقِ (اتّفاقُ الطائف مثلًا) والأحداثِ اليوميّةِ والاستحقاقاتِ الدستوريّة، ولأنَّ كلَّ فريقٍ في لبنان هو مُكوِّنٌ لبنانيٌّ أصيلٌ لا تليقُ الشراكةُ الوطنيّةُ معه في ظلِّ معادلاتِ الانتصارِ والهزيمة. لكنْ، ومنذ استعادةِ دولةِ لبنانَ الكبير، غالبًا ما حَصل غَالِبٌ ومغلوبٌ ومنتصِرٌ ومهزومٌ في معظمِ المنعطفاتِ الأساسيّة:
إعلانُ دولةِ لبنانَ الكبير 1920. انتزاعُ الاستقلالِ 1943. “ثورةُ” 1958. انتهاءُ حربِ السنتين 1976. حربُ المئةِ يوم 1978. تحطيمُ الآلةِ العسكريّة الفِلسطينيّةِ واليساريّةِ، وانتصارُ المقاومةِ اللبنانيّةِ بقيادة بشير الجميّل 1982. التراجعُ عن اتفاقِ 17 أيار مع إسرائيل، وانتصارُ الحزبِ الجنبلاطيِّ وحلفائِه في حربِ الشوف 1983. سقوطُ بيروت الغربيّةِ والضاحيةِ الجنوبيّةِ 1984. تَشبّثُ الجنرالِ ميشال عون بالسلطةِ، وانعقادُ “اتفاقِ الطائف” وسْطَ معارضةٍ مسيحيّةٍ شعبيّةٍ واسعةٍ 1989. انتصارُ سوريا مع حلفائها اللبنانيّين عسكريًّا على الحكومةِ الدستوريّةِ في بعبدا 1990. قيامُ مجلسٍ نيابيٍّ جديدٍ رغمَ مقاطعةِ المسيحيّين شبهِ الشاملةِ، وبَدءُ تغييرِ وجهِ لبنان وهُويّتِه ونظامِه وديمغرافيّتِه 1992. انتصارُ حزبِ الله وحلفائِه على إسرائيل 2000. اغتيالُ الرئيسِ رفيق الحريري وسائرِ شخصيّاتِ تَجمُّعِ 14 آذار بين 2005 و 2006. صمودُ حزبِ الله في وجهِ إسرائيل وتدميرُ لبنان 2006. اجتياحُ قِوى 08 آذار وَسَطَ العاصمةِ بيروت وإغلاقُ المجلسِ النيابيِّ 2007. انعقادُ مؤتمرِ الدَوّحة في قطر وجاءت نتائجُه لمصلحةِ قِوى 08 آذار عمومًا 2008. خُضوع أكثريّةِ قِوى 14 آذار لشروطِ الثنائيِّ حزبِ الله/التيّارِ الوطنيِّ الحرِّ وانتخابُ ميشال عون رئيسًا للجُمهوريّةِ تحت ستارِ تسويةٍ متخاذِلةٍ 2016. فشلُ انتفاضةِ 17 تشرين الأول 2019، إلخ…
طَوال المئةِ سنةٍ الماضيةِ تَداولت الأطرافُ اللبنانيّةُ جميعًا على الانتصارِ والهزيمة. وقلّما كانت هذه الأطرافُ تَنتصِرُ أو تَنهزمُ بفضلِ قوَّتِها الذاتيّة، بل بحُكمِ تحالفاتٍ أو تبعيّاتٍ خارجيّةٍ عربيّةٍ أو إقليميّةٍ أو دُوَليّة. والغريبُ أنَّ غالِبيّةَ “الحلفاءِ” الخارجيّين، لاسيّما سوريا وإسرائيل، كانوا مع طرفٍ لبنانيٍّ ومع خصمِه في آن معًا. وحدَها إيران ظَلّت صادقةً في علاقتِها مع حزبِ الله.