Khazen

لا "قرار" اتهام ولا "قرار" ظنّي

بل " لائحة " اتّهام   

 

يكاد لا يمرّ يومٌ ، بل لا تنقضي ساعة، من دون أن نقرأ أو نسمع، أوحتى نرى في وسائل الإعلام، ما "يحور ويدور" حول " المحكمة الخاصّة للبنان" أو " الخاصّة بلبنان"، وبصورة أخصّ حول             " القرار الظنّي أو قرار الاتهام" . ولم يقتصر الحديث أو التصريح أو المناظرة على السياسيين  "وأصحاب الخبرة " بل تعدّاه إلى بعض رجال القانون .

 

وكنت آليت على نفسي ألاّ أدخل هذا " العراك " لعدّة أسباب، أهمّها، أن ليس لكلّ هذا " الجدال " أيُّ جدوى فعليّة، لأنّ الموضوع سياسيّ بامتياز، حتّى أنّه لو لم تكن "المحكمة " قد أُنشئت أصلاً، فَلَرُبّما طُرحت قضية أخرى تتصّف بالعنف نفسه، وكذلك بالتصلّب، فضلاً عن أنّ كلّ هذه الضوضاء الحافلة بالانفعالات، لا تأثير لها البتّة في مسار المحكمة، ولا طبعاً في وجودها .

 

ولكن، نظراً للجهل وللمغالطات، والأخطاء والالتباسات التي تُبَثُ يوميّاً، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وتوقِع المواطنَ في حالة اضطراب، غالباً ما يؤدّي إلى شلّ فكره، وبالتالي إلى طمس رأيه الخاصّ، ممّا يُخضعه لتبعيّة الاصطفافات المعروفة، سواء أكانت مذهبيّة أم حزبيّة. ونَظراً خصوصاً لتقنيّة الموضوع،عدلت عن موقفي. وها أنا أتقدّم من القارىء، الّذي يريد أن يطّلع ولو عَرَضاً على مجريات المحكمة الخاصّة بلبنان، بإيضاحات حول نظام هذه المحكمة، والأصول المتّبعة لديها، والتي تختلف كليّاً عمّا ألِفناه في نظامنا الجزائي اللّبناني، المُقتَبَس عن النظام الفرنسيّ،علّ القارىء يتوصّل إلى تكوين قناعة شخصيّة عن هذه المحكمة، بمعزل عن المواقف والآراء المتداولة، فيدرك أنْ ليس ثمّة " قرار اتّهام" يصدر، لا عن المدّعي العامّ ، ولا عن قاضي الإجراءات التمهيديّة، علماً أنّه بمستطاع أيّ كان، أنْ يأخذ عن المحكمة نفسها، ما يجعله مُتيقناً ممّا ذكرناه،وذلك بمجرّد مراجعة موقعها الألكتروني .

 

 إلاّ أنّه يقتضي التمييز بين الإجراءات القضائيّة التّي تمّت في لبنان، بدءاً بالنيابة العامة التمييزيّة والمحقّق العدليّ، والإجراءات التّي تقوم بها المحكمة الخاصّة في مراحلها كافة بدءاً بالادعاء الممثل بالسيّد ميليس،مروراً بالسّادة "بلمار" وقاضي الإجراءات التمهيديّة "فرنسين"،والمحاكمة الابتدائية، وانتهاءً بالهيئة الاستئنافيّة، وستقتصر مداخلتي هذه على عرض مبسّط للاجراءات المتّبعة لدى المحكمة الخاصّة بلبنان، مقابل تلك المتّبعة في لبنان.  

 

فمن خلال مراجعة النصوص التّي ترعى المحكمة الخاصّة بلبنان، ومن خلال مقارنتها باللّغات الثلاث الرسمية المعتمدة، أي الأنجليزيّة والفرنسيّة والعربيّة،يتبيّن أنّ نظام المحكمة، يطغى عليه الطابع الأنجلو- ساكسوني، مقابل الطابع الفرنكو-لاتيني، المعتمد في لبنان،مع المزج بين النظامين الإجرائيّين في حالات معيّنة، حيث لم يُعتمد نظام المحلّفين، واستُعيضَ منه بنظام القضاة المهنيين المحترفين، وذلك بالنسبة إلى الهيئات الثلاث، التي تؤلّف المحكمة،أي "قاضي الإجراءات التمهيدية، "عوضاً من"هيئة المحلّفين الكبرى"Grand Jury (عدد أعضائها،ما بين12محلّفاً على الأقلّ وغالباً من23محلّفاً) ويديرها قاضٍ محترف وهي تختصّ بتلقّي الشكاوى، وسماع البيّنات المقدمّة من المراجع الرسميّة: (محقّقون،ضبّاط عدليّون،أطبّاء شرعيّون خبراء واختصاصيّون،) باستثناء "الشهود" الذين يعوّل المدّعي العامّ على شهادتهم.وتُقرّر هذه الهيئة، صحّة لوائح الاتهام، إذا اقتنعت بتوافر الأسباب الكافية، لقابلية سماع الدعوى، خلال محاكمة علنيّة، أو تقرّر رفضها، أو أحياناً تطلب التوسّع في التحّقيق…متّبعةً إرشادات المحكمة، لجهة الأمور القانونيّة وسير الإجراءات أمامها وهكذا يصبح قاضي الإجراءات التمهيديّة السيّد فرنسين صاحب الصلاحيّة والاختصاص، بدلاً من هيئة المحلفين الكبرى. "والمحكمة الإبتدائيّة" المؤلّفة من ثلاثة قضاة مهنيّين عوضاً من هيئة محلّفين من12محلّفاً، بإدارة قاضٍ مهنيّ، وأخيراً، محكمة الاستئناف المؤلّفة من خمسة قضاة مهنيّين .

 

 Ø¥Ù„اّ أنّ الترجمة والتعريب في النصوص، أي النصّ الإنجليزي، والنصّ العربي، والنصّ الفرنسي أحدثت التباساً تامَّاً ØŒ وبالفعل، نجد في النصّ العربيّ، عبارة «Ù‚رار اتهام» بينما وردت في النصّ الفرنسيّ،عبارة Acte d’accusation » « وهي ترجمة صحيحة في اللّغتين،إذْ إنّ العبارتين، تؤدّيان المعنى نفسه والمدلول القانوني إيّاه: أي أنّ قرار الاتهام في النظام اللّبناني، يعادل إلى حدًّ بعيد »      الـ Acte d’accusation» في النظام الفرنكو-لاتيني. ولكنّ العبارة الواردة في النص الأنجليزي «Indictment»ØŒ والتي تكتب إندكتمنت وتلفظ إنديتمنت ØŒ يصح تعريبها، لائحة إتهام وليس قرار اتهام ولا قرار ظنّي، إنّما ترمز إلى نظام أصول محاكمات، النظام الأنغلو- ساكسوني المُتّبع في الولايات المتحدة وسواها من الدول وكذلك في المحاكم الجزائية الدوليّة، المختلف تماماً عن النظامين الفرنكو-لاتيني واللبناني. ففي حين أنّ النظام الأخير يعتمد الإجراء الاستقصائي أو التحقيقيّ، يرتكز النظام الأنغلو- ساكسوني على وجاهيّة الإجراءات.

 

 ÙØ¨Ø¯ÙŠÙ‡ÙŠÙ‘ إذاً أنْ يَظْهَرَ الفرق شاسعاً بين الأصول والإجراءات المتبعة في لبنان(وفرنسا)ØŒ وتلك المعتمدة  لدى المحكمة الخاصّة بلبنان .

 

ومن أهمّ ما يستوقف أهل القانون، هو بالطّبع المدلول المختلف تماماً، والنتائج التي تترتّب على كلّ من قرار الإتهام والإنديتمنت ، فشتّان ما بينهما، وخصوصاً بالنسبة إلى مفاعيل كلٍ منهما .

 

وهكذا فالأول، أي «Ù‚رار الاتهام »ØŒ إنمّا هو قرار صادر عن قاضٍ« جالس»ØŒ حوّلت النيابة العامّة إليه  « إدعاءً ما»ØŒ بحيث يضع يده على القضيّة، ويباشر هو بدوره التحقيقات التي يراها مناسبة من أجل اتخاذ قرار،يرمي إلى إصدار "قرار ظنّي"،في الأمور الجنحيّة وهوحكم تمهيديّ قابل للاستئناف أمام الهيئة الاتهاميّة، المؤلّفة من غرفة مدنيّة لدى محكمة الاستئناف،وفي بعض الأحيان للنّقض أمام محكمة التمييز. وبالنسبة إلى الجرائم التي تشكّل جنايات، فبعد إصدار " قرار اتهام " (وليس قراراً ظنياً ) من قبل قاضي التحقيق، ترفع الأوراق أمام الهيئة الإتهاميّة التي تُصدر بدورها قراراً اتهامياً، بعد دراسة الملفّ، يقضي، إمّا بتصديق القرار الاتّهامي الصادر عن قاضي التحقيق، وإمّا بفسخ هذا القرار،مغيّرةً وصف الجناية المنسوبة إلى المدّعى عليه، سواء باعتبارها جنحة، أو باعتبارها جناية يُعاقَبُ عليها، بموجب موادّ، مختلفة عن تلك التّي اعتمدها قاضي التحقيق. وثمّة احتمال أخير، ألا وهو، منع المحاكمة عن المدّعى عليه، ويكون هذا القرار بدوره قابلاً في بعض الأحيان للنقض أمام محكمة التمييز. وبعد هذه المراحل يصبح القرار مُبرماً، إلاّ إذا أُبرم في مراحل سابقة أي قبل التمييز. ونتيجة إبرام هذا القرار يكوَّن مع القرارين السابقين والتحقيقات كافّة، مضبطة الاتهام، التي تُصبح أدلّة، ذات حُجيّة، تخلق قرينة بالنسبة إلى الوقائع والتحقيقات المضبوطة،ولا يمكن لأحدٍ بعد إبرامه أو لأيّ سلطة أن يُغيّر قيد أنملة في مضمونه .

 

أمّا الثاني وهو الإنديتمنت المتّبع لدى المحكمة الخاصّة بلبنان فهو على عكس الأوّل ØŒ يصدر عن المدّعي العامّ، الذي يعرضه- متى استُكْمِلَت عناصرُه- أمام قاضي الإجراءات التمهيديّة،الذّي يعود له أن يقدّر مدى انطباق هذا الإدعاء على الموادّ القانونيّة والأصول المتبعة، وبالتالي، مدى قابليّة هذا الادعاء لتُحالَ الدّعوى أمام المحكمة، فتضع يدها على القضيّة. فإذا ما رأى قاضي الإجراءات التمهيديّة، أنّ الادعاء هذا، يفتقر إلى المصداقيّة، أو الى الأدلّة الكافية، لتجعل لائحة الاتّهام، قابلة لسماع الدّعوى أمام المحكمة المختصّة، يطلب من المدّعي العامّ، تأييد أسباب التجريم كافّة Counts ØŒ أو بعض منها  Ø¨Ø£Ø¯Ù„ّة إضافيّة، من شأنها أن تُضفي على الادّعاء مصداقيّة كافية، لجَعْلِهِ مسموعاً في محاكمة علنيّة،كما يحدث أيضاً،أنّ يُعيد لائحة الادّعاء إلى المدّعي العامّ، مُفيداً إيّاه أن شروط تحويل الأوراق، لسماعها في محاكمة علنيّة غير متوفّرة إطلاقاً.عندها تتوقّف الإجرءات، إلى أن يأتي المدّعي العامّ بلائحة ادّعاء أخرى، مستندة إلى ركائز أخرى، وهذا نادراً ما يحصل.

 

ولكن، إذا رأى قاضي الإجراءات التمهيديّة، أنّ لائحة الادّعاء المقدّمة من المدّعي العامّ، تتمتّع بشروط كافية تسمح بالدعوة لمحاكمة علنيّة فيُطلَبُ عندها من المحكمة، تعيين جلسة علنيّة ليصار إلى بدء المحاكمات.

 

لا بدّ أيضاً، من التذكير بالإجراءات الآتية:

 

1-   المدّعي العامّ هو ممثل الادّعاء العامّ الّذي يتوجّب عليه في المحاكمة العلنيّة إثبات كلّ واقعة أو أدلّة أو تقرير يدلى به، أو غير ذلك من عناصر التجريم الماديّة التي يقدّمها في المحاكمة، فعبء الإثبات يقع كليّاً عليه، ولهذه الغاية وعند بدء البحث والتحرّي عن الفاعلين، يحقّ له أن يداهم المنازل وأنّ يقوم بتكليف الخبراء والاستماع إليهم،كما يحق له دعوة الشهود والاستماع إليهم، وعليه أنّ يتحرّى عن كلّ ما من شأنه، كشف الجريمة، مُستعيناً لهذه الغاية بالضابطة العدليّة. وفي حالة المحكمة الخاصّة بلبنان يمكنه أنّ يستعين بالسلطات الدوليّة، وخصوصاً السلطات اللّبنانيّة ،عملاً بالاتّفاقات المعقودة معها .

 

تجدرالإشارة هنا، إلى أنّ هذه الأجهزة وهؤلاء الخبراء والاختصاصيين ألخ.. وكذلك الشهود لا تعتمد أقوالهم ولا تصح شهادة أيّ منهم، ما لم يتمّ استجوابهم من قِبل كلٍّ من المدّعي العامّ ومحامي الدّفاع في المحاكمة .

2-   الدّفاع يتمتّع بالصلاحيات التّي يتمتّع بها المدّعي العامّ، ويتساوى كلاهما أمام المحكمة، وله أن يطلب أمّا بواسطة قاضي الإجراءات التمهيديّة أم بواسطة المحكمة بعد وضع يدها على القضية ØŒ تكليف من يلزم، لاستدعاء الشهود وكشف المستندات والأدلّة .

 

3-    Ù‚اضي الإجراءات التمهيديّة، هو الذّي يقوم بمهامّ هيئة المحلّفين الكبرى Grand Jury ØŒ ويتمتّع  بصلاحيّاتها كافّة، وخصوصاً حقّ استدعاء المشتبه بهم، والخبراء والشهود، كما سبق تبيانه، وهو الذّي يأمر عند الاقتضاء  بالتوقيف، أو بإخلاء السبيل، لقاء كفالة يحدّد قيمتها الماديّة أو من دون كفالة وَيحضُر محامي الدفاع هذه الاجراءات أمام القاضي، ويناقشها ويُدلي بما يرتئيه،وبعد المناقشات الوجاهية بين المدعي العام ومحامي الدفاع بإدارة وتدخل القاضي حول هذه المواضيع، تصبح القضية جاهزة لدى القاضي، إذا ما توصل إلى قناعة بقابلية الإدعاء، أن يحول إلى المحكمة أم لا .

وبالنتيجة تبقى لقاضي الإجراءات التمهيديّة الصلاحية الأساسية التي يتمتّع بها وهي التثبت من قابلية لائحة الإدعاء المنظمة من المدعي العام أن ترفع وتقدم أمام المحكمة أم تعاد إلى المدعي العام.

 

والآن،- وهنا يكمن الفارق الأساسي بين النظامين- وبعد أن تحدّد المحكمة موعد بدء المحاكمات وتعيّين الجلسات، يعود للمدّعي العامّ أن يقدّم وسائل الإثبات، كما ذكرت، وأسباب الاتهام Counts في الجلسة العلنيّة، حيث تناقَشُ كلُّ وسيلة إثباتٍ، وكلُّ الأدلّة والتقارير،كما يُستجوب كلُّ "ماثلٍ" أمام المحكمة أيّاً تكن صفته ،بعد تحليفه اليمين، من قبل كلٍّ من المدّعي العامّ ومحامي الدفاع، وهذا بصورة مباشرة ومن دون وجوب طرح الأسئلة على"الشهود"ØŒ بواسطة رئيس المحكمة، ولكن مباشرةً من قبل المدّعي العامّ ومحامي الدفاع، كلٍّ بدوره على أن يكون ذلك بعد تحليف كلِّ ماثلٍ، اليمينَ القانونية. وبعد أن تتمّ هذه المناقشة العلنية ØŒ والاستجوابات المتبادلة  Cross Examination من قبل الادّعاء والدفاع ØŒ وبعد أن يأمر رئيس المحكمة، بصرف الشاهد أو الخبير أو ضابط الشرطة، يكتسب عندئذٍ كلُّ من هؤلاء صفة الشاهد.

 

وباختصارلا يصبح المطلوب أمام المحكمة للإدلاء بما يعرفه شخصيّاً، )وليس ما قد سمعه أو تنامى إليه من أشخاص آخرين “Hearsay”ØŒ( شاهداً، إلا بعد إتمام هذه الإجراءات حتّى إذا تبيّن عندئذٍ أنّه أدلى بشهادة كاذبة ØŒ يُصار إلى الإدعاء عليه، ويُحال إلى محاكمة أخرى، التي عليها أن تراعي بدورها الإجراءات التي سبق ذكرها. فضلاً عن ذلك، إذا تبيّن للمحكمة، أنّ المُسْتجوَب أمامها، سواءٌ أكان ضابطاً أم طبيباً أم خبيراً في أيّ ميدان أم أي شاهد، لا يتجاوب كلّ التجاوب مع المحكمة، وطبعاً مع كل من المدّعي العامّ ومحامي الدفاع أو أنّه لم يدلِ بكل ما يعرفه… يُعتبرعندئذٍ أنّه ارتكب جريمة تعطيل سير الإجراءات contempt of court  Ø£Ùˆ عرقلة أوامرها عن عمد أو إهمال وتتّخذ المحكمة بحقه التدابير التي تراها مناسبة، بما في ذلك الحكم عليه بالسجن أو غير ذلك من العقوبات، وفقاً لأهميّة فعله وخطورته، علما أنه لهذا الجرم عدة أسباب تجريم،منها مباشرة ومنها غير مباشرة، ومنها إرتكبت في حضرة المحكمة وأخرى خارجها.

ويبقى على المدّعي العامّ أنّ يُثبت خلال المحاكمة العلنيّة،مضمون لائحة الاتهام وكلّ ما يدّعي به، بواسطة وسائل الإثبات كافّة:(من أطباء شرعيّين اختصاصيّين وخبراء بالمتفجّرات وبالأسلحة، وضّباط ممّن أجرَوْا التحقيق أو ساهموا فيه ألخ..) فهؤلاء يبادرون إلى أداء اليمين القانونية لبدء استجوابهم على النحو الّذي سبق وذكرت.

 

لا بدّ من التذكير أيضاً، بأنّ النصوص المعتمدة، قد لحظت طبعاً حالات المحاكمات الغيابيّة، وطُرُق قبول شهادات الشهود، الذين يكون قاضي الإجراءات التمهيديّة ØŒ بناءً على طلب المدعي العام أو محامي الدفاع قد وافق على أن تبقى هويّاتهم قيد الكتمان، وكذلك الشهود الذين لا يتمكنون من الحضور شخصيّاً في المحاكمة لأسباب يقبل بها القاضي، فيصار عندئذٍ الى إتّباع إجراءات أخرى، مفصّلة في النصوص، وتطبّق كلها مبدأ الوجاهيّة والاستجواب والمناقشة، من قِبَل المدّعي العامّ ومحامي الدفاع، سواء بواسطة مكالمة متلفزة مباشرة Video  Conferanceأو حتى بحضور الشاهد وراء ستار عازل يحجبه عن الظهور أمام الحضور ويتكلم عبر آلة تحوّر الصوت، بحيث لا يمكن لأحد من الحضور التعرف على هويته ويتبع الإجراءات ذاتها من إستجواب ومناقشة من قبل الفريقين، وثمة حالات إستثنائية جدّاً عندما يتعذر على الشاهد أن ينتقل إلى مقرّ المحكمة لأسباب أمنيّة، وفي الوقت نفسه ليس باستطاعته الظهور في الفيديو  Video Conferanceلدواعٍ أمنيّة، عندها يقوم القاضي باستجواب الشاهد شخصياً ويطلع الفريقين(المدعي العام ومحامي الدفاع) على هذا الإستجواب بحيث يكون باستطاعتهما توجيه الأسئلة والمناقشة Cross examination من خلال المراسلات المتبادلة التي تشكل بمجملها الشهادة  بعد أن يكون الشاهد قد أدّى القسم القانوني أمام القاضي.

 

أما بالنسبة إلى المحاكمات الغيابيّة In Abstentia فتخضع هي أيضاً لأصول وإجراءات مختلفة جداً عن تلك التي نعرفها في نظامنا اللبناني، وبالفعل، ونظراً لعدم وجود مضبطة اتهام، ونظراً لعدم تمتّع لائحة الإتهام Indictment بأي حجيّة فلا يمكن الإعتداد بها أمام المحكمة، وفي بعض الحالات، عندما تتمكن النيابة العامّة من دعوة الشهود وإثبات مضمون لائحة الإتهام أمام المحكمة، يمكن لها إذ ذاك أن تصدر قراراً قابلاً للاعتراض أم لا، وهذه أمور شهدناها مثلاً، في محاكمة الرئيس البشير غيابيّاً.

ومن الإجراءات التي تختلف عن الإجراءات المتّبعة في لبنان ØŒ تصدر لوائح الاتهام بالنسبة إلى الملاحقين، بحيث يندر أن تشمل لائحة اتهام واحدة عدة ملاحقين، كما يصار إلى النظّر في كل لائحة اتهام بمحاكمة وجلسات مستقلة عن الأخرى التي تلاحق متهماً آخر، حتّى أنّه في معرض المحاكمة الواحدة، عندما يتبين أنَّ ثمة مشتبه بهم خارجين عن لائحة الاتهام التي تنظر فيها المحكمة،غالباً ما يعمد المدعي العام إلى تقديم لائحة اتهام أخرى بحق المشتبه بهم الكثر، وهذا المبدأ يدعى التفريعBifurcated  procedures  ØŒ إلاّ أنه في بعض الحالات إعتمدت النصوص الدوليّة ما أسميناه بالمزيج، من النظامين الأنجلو- ساكسوني والفرنسي اللاتيني، بحيث يمكن للمحكمة أن تنظر في لائحة اتهام تشمُلُ أكثرَ من مشتبه به واحد. ومثالاً على ما تقدم ØŒ يمكن في معرض المحاكمة، عندما يتبين أنَّ ثمّة مشتبه به تتلازم قضيته تماماً مع قضيّة المشتبه به الأساسي، عندها تتابع المحكمة السير في الاتهامين معاً، من دون أن يتعرّض حقّ أيّ من المتهمين بالدفاع، إلى أيّ إنتقاص.

ومن الأمور المحظَّرة بتاتاً، محاكمة مشتبه بهما بالمحاكمة نفسها إذا كان أحدهما هو الذي شهد ضدّ المتهم الآخر، أو أنه كان المتسبَّبَ بملاحقة المشتبه به الأول، بعد "عطف جرمي" تناول هذا الأخير. ومن الإجراءات المختلفة أيضاً، نظام دعوة الشهود في حال تخلفهم عن الحضور، وكذلك استقصاء المعلومات والمستندات من أشخاص ثالثين وخارجين عن المحاكمة يمتنعون عن تسليمها، فتلجأ المحكمة عندئذٍ إلى إصدار أمر يدعى SubpeanaØŒ يلزم الشاهد أو الشخص الثالث بالانصياع للمحكمة تحت طائلة الملاحقة الجزائيّة بمختلف أسباب الاتهام وتكون محاكمة المتخلّف مستقلةً طبعاً عن المحاكمة الأساسية، وكل هذا يندرج تحت نظام التفريع Bifurcated  procedures  ÙƒÙ…ا سبق وذكرت.

 

والخلاصة، أنَّ ثمّة تبايناً بين الإجراءات المتّبعة لدى المحكمة الخاصة بلبنان والأصول الجزائيّة المرعية في لبنان. وكلّ ما يتناوله الإعلام حالياً، يفتقد إلى الدقّة القانونية، فتطلق الاستنتاجات وتتخذ المواقف من المحكمة من دون معرفة فعليّة بمجرياتها ولا بنتائج كل إجراء تتخذه .

 

 

 

1-       Ø§Ù„نظام الأساسيّ للمحكمة الخاصة للبنان المبرم في30/5/2007.

2-       Ù‚واعد الإجراءات والإثبات التي أقُرّت في20/3/2009 وعُدَّلت في 5/6/2009 كما عُدَّلت ثانيةً في30/10/2009وعُدَّلت أخيراً في10/11/2010وصُحّحت في29/11/2010.

3-       Ù‚واعد الاحتجاز تاريخ20/3/2009( القواعد التي ترعى احتجاز الأشخاص رهن المحاكمة أي الإستئناف أمام المحكمة الخاصة بلبنان أو المحتجزين في حالات أخرى بأمر صادرعن المحكمة الخاصّة بلبنان)

4-       Ø§Ù„مبادىء التوجيهيّة الخاصّة بتعيين محامي الدفاع تاريخ20/3/2009 وعُدَّلت في 30/10/2009.

5-       Ù…ذكرة إيضاحيّة من رئيس المحكمة حول قواعد الإجراءات والإثبات (اعتباراً من تاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر2010)

 

 

 

وليد الخازن