الإضطهادات في الكنيسة الأولى
إنّ تاريخ المسيحيّة لحافل بالإضطهادات، فقد عان أتباع هذه الدّيانة ولا يزال، يعاني شتّى أنواع التّعذيب أو الإعتداء أحياناً بالجسد وأحياناً بالممتلكات أو بالقتل. ذلك هو جوهر المسيحيّة، التّضحية والفداء في سبيل اللّه. فالمسيح تألّم لأجلنا ذوداً عن خطايانا. لقد حمل لواء هذه الرّسالة المسيحيّين الأوائل منهم القدّيسين الّذين ،لتثبيت ونشر الرّسالة المسيحيّة دفعوا حياتهم ثمنا" لها.إضطهدهم اليهود على عهد الرّومان وهؤلاء بدورهم مارسوا أبشع أنواع التّعذيب
بحقّهم ليبلغ أوجّ هذا الإضطهاد على عهد نيرون.
الإضطهاد اليهودي للمسيحيّين:
تخبرنا الأناجيل أنّ الرّسل وحتّى يسوع المسيح نفسه تعرّض للإضطهاد على يد القادة اليهود. فيسوع والمسيحيّين الأوائل ولدوا وترعرعوا في كنف الدّيانة اليهوديّة، فقد اعتبرهم الفريسيّون منشقّين عن تعاليم موسى. فالإضطهادات والملاحقات إستمرّت بحقّ تلاميذ يسوع حتّى بعد صلبه وقيامته فالقدّيسين بطرس ويوحنّا قد تمّ سجنهما من قبل قادة اليهود ثمّ إخلاء سبيلهما. ومرّة تمّ سجن الرّسل من قبل رئيس الكهنة (أعمال 5 :1717) وأتباعه من الصدّوقيّون.ومرّة" ثانية وبعد أن أخرج الملاك الرّسل من السّجن، تمّ إعادة إعتقالهم وإستجوابهم أمام المجلس أو السنهدرين، ولكن واحدا" من الفرّيسيّين إسمه غمالائيل يحظى باحترام الشّعب، استطاع إقناع أعضاء المجلس بإخلاء سبيلهم بعد جلدهم.
شهيد المسيØيّة الأوّل هو القدّيس إستÙانوس هو أيضا" كان ضØيّة اليهود عامّةً وأعضاء السّنهدرين خاصّةً، Ùبعد إستشهاد إستÙانوس بدأت Øملة إضطهاد جديدة بØقّ المسيØيّين على يد شاوول الّذي Ø£ØµØ¨Ø Ù‚Ø¯Ù‘ÙŠØ³Ø§" Ùيما بعد، بعد توبته والّذي Ø£ØµØ¨Ø Ù…Ù† أعظم قدّيسي الكنيسة،ثمّ بدوره تعرّض بولس الرّسول للإضطهاد على يد اليهود ÙÙŠ دمشق،Ùقد Øاولوا إيقاعه بكمين وقتله.
واستمرّ الإضطهاد اليهودي للمسيØيّين Ùخلال ثورة بار كوخبا الشّهيرة(135) رÙض المسيØيّيون القتال، واستعمل اليهود سياسة التّØريض Ùكانوا ÙŠØرّضون الرّومان على قتل المسيØيّين وأØيانا" كان الØكّام يتردّدون ÙÙŠ قتل المسيØيّين ØŒÙÙŠ المقابل كان اليهود يشجّعونهم على رميهم للأسود.
ÙÙŠ اليمن قبل الإسلام إضطهد ملك يهودي إسمه دو نوّاس المسيØيّين ÙÙŠ نجران عام 524 وقتل العديد منهم.
الإضطهاد الرّوماني للمسيØيّين:
لقد تمّ صلب يسوع Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ø¨Ù…ÙˆØ§Ùقة السّلطات الرّومانيّة بطلب من القادة اليهود.ونذكر أيضا" أنّ القدّيس بولس وقبل موته تمّ إعتقاله عدّة مرّات من قبل السّلطات الرّومانيّة.
الإضطهاد على عهد نيرون(64-68):
لقد بلغت الإضطهادات على عهد نيرون أوجها بØقّ المسيØيّين، Ùكانت Øملة تطهير بØقّهم، Ùقد Ø£Øرق هذا الأخير روما متّهماً المسيØيّين بذلك. لقد مارس أبشع أنواع التّعذيب ضدّهم، Ùقد أطعمهم للأسود والوØوش. Ùقد استعمل نيرون المسيØيّين أو بالأØرى جعل منهم رياضة وتسلية للنّاس، Ùقد Ø£Øرقهم Ø£Øياء وأطعمهم للوØوش والكلاب وأØرقهم على الصّلبان.
لقد مارس نيرون بØقّ المسيØيّين Ø£Ùظع أنواع التّعذيب، ولعلّ هذه التّجربة جعلت إيمان المسيØيّين أكثر رسوخاً وصلابةً وأمّن ديمومة واستمراريّة هذه الرّسالة الّتي وبدماء شهدائها روت الأرض ونÙوس البشر Ù…Øبّة" وخيراً.
الإضطهادات من القرن الثّاني Øتّى قسطنطين:
ÙÙŠ منتص٠القرن الثّاني، كثرت الإضطهادات ضدّ المسيØيّين خاصّةً على يد العصابات والمجرمين Ùلم يتورّعوا عن التوقّ٠عن سرقة ورجم وممارسة العن٠ضدّ المسيØيّين.
وقد قام الإمبراطور دسيوس بمذبØØ© ضدّ المسيØيّين ÙÙŠ سائر أنØاء الإمبراطوريّة، Ùأسق٠أنطاكية بابيلاس قتل وثلاثة من أبنائه. وأØيانا" كان دسيوس يشر٠شخصيّاً على عمليّات الإعدام بØقّ المسيØيّين الّذين كان يقدّمهم ذبيØØ© للألهة.
إستمرّت الإضطهادات مع ديوقلطيانس وغاليريوس ÙÙŠ أواخر القرن الثّالث وعلى مشار٠القرن الرّابع، Ùإنّ رÙض المسيØيّين عبادة الألهة أثار سخطهم. وأيضاً إعتبرت إضطهاداتهم الأعن٠ضدّ المسيØيّين ولكن لدى إستلام قسطنطين الØكم، ÙˆÙÙŠ العام 313 شرّع المسيØيّة وقد أصبØت المسيØيّة على عهد تيودس الأوّل دين اللإمبراطوريّة الرّسميّة.
نتائج اهتداء قسطنطين إلى المسيØية:
Ùشلت جميع Ù…Øاولات أباطرة الرومان ÙÙŠ القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الميلاد للقضاء على الكنيسة المسيØية. وأخيراً اهتدى الإمبراطور قسطنطين إلى المسيØية واعتنق الديانة التي كان أسلاÙÙ‡ قد عملوا جهدهم للقضاء عليها قضاء مبرماً، يمكن النظر إلى دماء الشهداء المسيØيين كأØد العوامل الهامة التي أدت إلى انتصار الكنيسة على الوثنية، ولكن كما نستنتج أيضاً العامل الرئيسي لانتصار الكنيسة ÙÙŠ أيامها الأولى هو سيدها وربها يسوع Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ø§Ù„Ø°ÙŠ لم ينقطع عن الاهتمام بها ورعاية شؤونها بعد صعوده المجيد إلى السماء.
نقطة تØول هامة ÙÙŠ تاريخ الكنيسة: العام313Ù….
يمكن النظر إلى العام313 كنقطة تØول هامة ÙÙŠ تاريخ الكنيسة لان قرار ميلانو الذي أصدره الإمبراطور Ù…Ù†Ø Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØيين لأول مرة ÙÙŠ تاريخهم Ù†Ùس الØقوق التي كان يتمتع بها معتنقو الديانات الأخرى. وهكذا Ø£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØيون يتمتعون لأول مرة بØرية الاعتقاد بالإيمان المسيØÙŠ وبنشره ÙÙŠ كل مكان.
كم تغيرت الأØوال ÙÙŠ مطلع القرن الرابع الميلادي، ها إن الإمبراطور الذي اعتلى عرش رومية كان من أتباع المسيØ. وقد أعطى قسطنطين الأموال الكثيرة لبناء كنائس Ùخمة ÙÙŠ القسطنطينية والقدس وبيت Ù„ØÙ… وأماكن أخرى ذات أهمية ÙÙŠ تاريخ الكنيسة الرسولية.
وإن كنا نعد قرار ميلانو كانتصار عظيم للكنيسة على الوثنية Ùانه لابد من القول أيضاً أنه ÙØªØ Ù…ØµØ§Ø±ÙŠØ¹ الأبواب التي تغلغل منها نهر Ùساد عظيم إلى جسم الكنيسة. هذا لا يعني أن الكنيسة بعد قسطنطين خسرت كل شيء كانت قد ربØته ÙÙŠ القرون الأولى إلا أنه لا بد من النظر إلى تاريخ الكنيسة من وجهة نظر واقعية ورؤية الأمور الØسنة للسير على منوالها ÙÙŠ أيامنا الØاضرة والابتعاد عن الأمور المضرة بمصلØØ© الكنيسة والتي نراها تعمل ÙÙŠ الكنيسة منذ أيام القرن الرابع الميلادي.
العلاقة بين الكنيسة والدولة:
Øدث بعد اهتداء قسطنطين الإمبراطور أن الدولة أسبغت على الكنيسة المسيØية بعطايا كثيرة ولكنها طلبت من الكنيسة ÙÙŠ Ù†Ùس الآن أن تعطيها صوتاً هاماً ÙÙŠ أمورها الخاصة. وهذا أمر ÙŠØزن جميع المسيØيين الذين يؤمنون مع الكتاب بأن الدولة هي من وضع الله تعالى وكذلك الكنيسة ولكنهما يعملان ÙÙŠ Øقلين مختلÙين وأن على الدولة أن لا تتدخل ÙÙŠ شؤون الكنيسة كما أن على الكنيسة أن لا تتدخل ÙÙŠ شؤون الدولة.
ولكنه نشا منذ أيام قسطنطين موضوع العلاقة بين الكنيسة والدولة ولم يكن عبارة عن موضوع نظري بل كان مشكلة عملية.
Ù…Øاولة أخيرة لإØياء الوثنية:
اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية ÙÙŠ العام 361 Ù… جوليان وهو ابن أخ قسطنطين الكبير. وكان قد نشأ مسيØياً ولكنه كان وثنياً ÙÙŠ صميم Øياته. وما أن Ø£ØµØ¨Ø Ø³ÙŠØ¯ رومية Øتى أعلن بصورة رسمية أنه وثني ولذلك يدعى ÙÙŠ تاريخ الكنيسة باسم جوليان الجاØد نظراً لارتداده عن الديانة المسيØية التي تربى Ùيها.
اضطهد جوليان الجاØد المسيØيين بشكل غير عني٠وØاول القضاء على المسيØية لا على طريقة أباطرة الرومان الأقدمين بل باللجوء إلى قلمه. Ùقد صار يكتب ضد المسيØية ويهزأ بها ويØاول إظهار المعتقدات المسيØية وكأنها بدون معنى. لكن Øوليان Ùشل Ùشلاً ذريعاً ÙÙŠ Ù…Øاولته ولم يستطع Ø¥Øياء الوثنية إذ بقيت معابدها مقÙرة ومذابØها بدون دخان. إن الوثنية الرسمية كانت قد ماتت ولم يكن باستطاعته إرجاع الØياة إليها. وبعد سنتين من اعتلاءه العرش الروماني ذهب جوليان لمØاربة الÙرس ÙˆØ¬Ø±Ø Ø£Ø«Ù†Ø§Ø¡ معركة Øامية جرØاً دامياً. ويروى عنه أنه ملأ يده بدمه الناز٠ورمى به إلى السماء صارخاً: لقد انتصرت ÙÙŠ النهاية أيها الجليلي! وهكذا انتهت بالÙشل التام المØاولة الأخيرة لإنهاض الوثنية من قبرها بموت الإمبراطور الجاØد جوليان وثابرت الكنيسة على سÙرتها ÙÙŠ بØر هذا العالم المضطرب.
هؤلاء المسيØيين الذين عاشوا قبل عصر اعترا٠الدولة بشرعية الديانة المسيØية كانوا مستعدين دوماً للموت ÙÙŠ سبيل إيمانهم بالرب يسوع Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ ÙˆØ£Ù†Ù‡Ù… عانوا الاضطهادات الشديدة نظراً لعدم تخليهم عن الإيمان ومن الزاوية البشرية يمكن القول أنه لولا بطولة مسيØيي القرون الثلاثة الأولى واستشهاد البعض منهم لما نجØت المسيØية مطلقاً ولما انتصرت ÙÙŠ النهاية على الإمبراطورية الرومانية وعلى Øضارتها الوثنية
كان يسوع Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ Ù‚Ø¯ اخبر تلاميذه بأنه كما اضطهد أثناء Øياته على الأرض هكذا سيتعرضون للاضطهاد بعد ذهابه إلى السماء وقد تØققت كلمات الرب بصورة خاصة ÙÙŠ القرون الثلاثة الأولى للميلاد نظراً لاشتعال نيران الاضطهادات ضد المؤمنين Ø¨Ø§Ù„Ù…Ø³ÙŠØ ÙˆÙŠÙ…ÙƒÙ† النظر إلى هذه الØقبة من التاريخ الكنسي ÙƒØقبة البطولة والشجاعة، وهذا يكسبنا نظرة كلها الاØترام والإعجاب لجميع الذين عاشوا ÙÙŠ تلك الأيام وخاصة لأبطال الإيمان من رسل وشهداء. ,أين مسيØيي لبنان اليوم من مسيØيي الكنسية الأولى، نراهم يتخبطون للإستيلاء على كرسي من هنا ومقعد من هناك. Øبذا لو يعودون للجذور وقراءة التاريخ والتعلم منه للسير بالعباد Ù†ØÙˆ المستقبل، مستقبل واعد عادل وصادق.
بول كرباج
2006