المؤتمر الوطني من اجل قانون انتخاب على قياس الوطن
11/6/2008
النائب فريد الخازن
في العقدين الاخيرين, ما من فكرة او رأي او موقف مرتبط بقانون الانتخاب ان بالنسبة الى حجم الدائرة الانتخابية او نظام الاقتراع الا وطرح في دراسات وندوات, لا بل ان النقاش حول قانون الانتخاب كان من اغنى النقاشات السياسية التي عرفها لبنان واكثرها دقة وشمولية, وتميز بمشاركة هيئات المجتمع المدني والخبراء والسياسيين.
تشكل الدوائر الانتخابية الجانب الاهم في قانون الانتخاب لانها الاكثر ارتباطا بتكوين السلطة. في مرحلة ما قبل الحرب, لم يثبت قانون الانتخاب الا في العام 1960, اي في الانتخابات النيابية السادسة بعد الاستقلال وعلى اثر ازمة 1958. وثَبُت القانون على اساس دوائر انتخابية تعتمد القضاء مع بعض الاستثناءات. والواقع ان للقضاء في لبنان شخصية تاريخية وسياسية وعصبية مناطقية, ذلك ان الانتماء المناطقي هو بالدرجة الاولى الى البلدة او القرية والى القضاء. ويعود اعتماد القضاء كدائرة انتخابية الى مرحلة ما قبل الدولة في زمن المتصرفية, وتحديدا منذ العام 1864, بعد ادخال تعديلات على بروتوكول 1861, والاقضية شملت آنذاك زحلة, جزين, الشوف, المتن, كسروان, الكوره والبترون.
لا تكمن اهمية قانون 1960 فقط في توزيع الدوائر الانتخابية بل ايضا في ثباته وفي مراعاته لقاعدة اللاغالب واللامغلوب بعد ازمة 1958, خلافا للقوانين الانتخابية السابقة التي وضعت لاغراض سياسية لاسيما في عهد الرئيس شمعون. كما ان قانون 1960 ساهم في تعزيز التنافس السياسي داخل الطوائف وبين القوى السياسية, الحزبية وغير الحزبية. فالاداء الانتخابي في لبنان ما قبل الحرب شهد تطورا وتحسنا على المستويات كافة, الى ان وصلنا الى انتخابات 1972, وهي الاخيرة قبل اندلاع الحرب, فكانت الاكثر نزاهة والاكثر تنافسا والاكثر حيادا من قبل السلطة, بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. هذا فضلا عن ان الترابط كان قائما بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية في اطار ما كان يعرف بالعهد الرئاسي بأركانه الثلاثة: رئيس الجمهورية, رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة, وهذا ما افتقده النظام السياسي في مرحلة ما بعد الحرب.
اعترى النظام السياسي اللبناني شوائب عديدة, الا انه كان الاكثر انفتاحا وحرية وديمقراطية من الانظمة السياسية في بلدان الجوار العربي, حيث قوانين الانتخاب والانتخابات والقرار السياسي من صنع السلطة التي لا ينافسها احد. وجاءت الحرب في لبنان لتقضي على الرابط بين الحياة السياسية والمجتمع ولتعسكر السياسة بكل تفاصيلها. اما الانتخابات النيابية الاولى بعد الحرب في 1992 فسجلت انقلابا في الممارسة السياسية عبر فرض القانون وتوقيت الانتخابات, اضافة الى نتائجها المعروفة سلفا. وجاءت الانتخابات النيابية من 1992 الى 2000 في زمن الوصاية لتلبي وظائف تشبه وظائف الانتخابات في الانظمة السلطوية عبر ادارة مركزية للانتخابات, وكانها استحقاق اداري لا بد منه اما لمعاقبة هذا الطرف السياسي او لمكافأة ذاك.